تمر مصر في هذه الفترة بأصعب فترات تاريخها الحديث ومن ظواهر ذلك علاقة القضاء كسلطة مستقلة ببقية السلطات خاصة أن البلاد تشهد تدخلا مخيفا بين السلطات ومن هنا كان لابد أن نضع هذه التساؤلات بين يدي رمز من رموز تيار استقلال القضاء في مصر المستشار هشام رءوف مساعد وزير العدل لشئون الديوان العام في حوار لالاهرام يجيب عن أسئلة الساعة. ما رأيكم فيما يحدث من الاحتجاجات والمظاهرات التي تشهدها ساحات المحاكم الآن؟ هذه المظاهرات والاحتجاجات التي تحدث الآن أمام المحاكم والهيئات القضائية هي نوع من أنواع التدخل في العمل القضائي وتعتبر طريقة من طرق الضغط علي رجال القضاء لإصدار أحكام في اتجاه معين وهي أسوأ أنواع التدخل لما يحدثه من استعداء بين المواطنين ورجال القضاء. هل حكم محكمة جنايات القاهرة باخلاء سبيل الرئيس السابق مبارك هو حكم قابل للطعن ام حكم نهائي؟ هذا ليس حكما لكنه قرار بإخلاء سبيل مبارك والمتهمين معه إعمالا لنص قانون الإجراءات الجنائية وهو محبوس احتياطيا علي ذمه قضايا أخري ولكن يجب أن يعلم كل مواطن في مصر ان دولة القانون تعني ان يلتزم الجميع بالقانون وتنفيذ الاحكام القضائية واحترامها. في جمعة تطهير القضاء ما المقصود بالتطهير ومن المسئول عن تصاعد وتيرة هذا الشعار وكيف تفسرها؟ شعار تطهير القضاء شعار غير مقبول وغير لائق استخدامه وغير جائز أن يكون هناك خلط بين سلطات الدولة التنفيذية من جانب والتشريعية من جانب آخر فالمسئول عن ذلك هي مجموعة سياسية عقدت مؤتمرا صحفيا يمثل تجمعا لبعض الاحزاب والتيارات السياسية تطالب بأكبر حشد جماهيري أمام دار القضاء العالي في الجمعة الماضية كظاهرة غير مسبوقة من قبل ان تعتدي السلطة التنفيذية بشكل مباشر علي السلطة القضائية وبشكل معلن رغم تكرار ذلك الفعل بشكل أو بآخر خلال العامين الماضيين إلا انه هذه المرة كان يخفي أغراضا سياسية بشكل صريح متخذا من صدور قرار في احدي القضايا كذريعة لموجة من اتهامات زائفة لوزارة العدل ووزيرها شخصيا, وذلك بعد صدور قرار بإخلاء سبيل الرئيس السابق مبارك والذي هو في حقيقته قرار صادر من محكمة جنائية ولا علاقة لوزارة العدل بهذا الشأن. والمؤسف أن من يردد ذلك هم رجال قانون يعلمون أن مثل هذا القول هو دعوة غير جائزة لتدخل السلطة التنفيذية المتمثلة في وزير العدل في العمل القضائي وهو الأمر المحظور تماما وذلك ما أكده وزير العدل المستشار أحمد مكي منذ توليه حقيبة الوزارة وأن هذا التدخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية كان أخطر ما كانت تعانيه مصر ما قبل ثورة25 يناير وأن جميع الاتهامات الموجهة لوزارة العدل بالتستر علي قضايا الفساد هو أمر يمثل إهانة واضحة للقضاء وحديث من لا يعرف ولا يفهم الأمور. كيف تقرأ استقالة وزير العدل؟ استقالة المستشار أحمد مكي هي جرس إنذار لكل مواطن في مصر, فالمؤسسة القضائية معرضة لخطر داهم مما يؤدي إلي انهيارها والعبث بالقضاء ستكون نهايته الحتمية تقويض دعائم الدولة المصرية. علما بأن الاستقالة جاءت بعد دعوات طالبت بذلك. هل هناك علاقة بين الاستقالة وما يحدث داخل القضاء الآن؟ نعم, هناك ارتباط وثيق بين ما يحدث داخل القضاء وجمعة تطهير القضاء لأن هذه المظاهرات تخفي وراءها دعوة لإصدار قانون جديد سيتسبب في عزل عدد يقارب الثلاثة آلاف قاض, وهذا مرفوض تماما تحت دعوي تخفيض سن التقاعد من70 إلي60 سنة. وأن القضاة لديهم مواقف رافضة للاستغلال السياسي ورفع سن التقاعد من النظام السابق الذي رفع سن القضاة علي أربع مراحل متفاوتة. ويهمني أن أؤكد هنا أن المستشار أحمد مكي تقدم باستقالته من منصبه اعتراضا علي التظاهرات المقامة ضد القضاة وتوجيه الإهانات لهم بالإضافة إلي محاولة إصدار قانون السلطة القضائية الجديد دون عرضه علي المؤسسة القضائية وإرساله إلي مجلس الشوري لإجراء تعديلات عليه وتخفيض سن تقاعد القضاة دون العرض عليهم لأخذ رأيهم فيه. إذن كيف يمكن الخروج من المأزق الحالي؟ لا سبيل إلا التراجع عن قانون السلطة القضائية الجديد وإيقاف الخطوات الخاصة به ويجب علي الجميع أن يعي ويعلم أن القضاء مؤسسة وإن وجد فيها ما يستوجب الاصلاح لأنه مؤسسة مدنية متماسكة حتي الآن ويجب علي جميع القوي والتيارات السياسية دعم هذه المؤسسة وليس هدمها وتدميرها. هل تري ضرورة لإبقاء المستشار أحمد مكي وزيرا للعدل؟ نعم لأن الإبقاء عليه كوزير للعدل في موقعه كفيل بحفظ التوازن المطلوب واستكمال لطريق الاصلاح القضائي الذي بدأه منذ توليه المسئولية, ولكي يتم هذا الاصلاح لابد أن يتم داخل المؤسسة القضائية ذاتها بالطريقة التي رسمها القانون والتي تتوافق مع المواثيق الدولية. وأطالب القوي السياسية كافة بالابتعاد عن التدخل في أحكام القضاء المعروف بنزاهته واحترامها وأن هناك قوي بعينها تسعي لايجاد حالة من العداء بين المواطنين والقضاء خلال العامين الماضيين بعد الثورة بهدف النيل من منظومة العدالة في مصر باستخدام أساليب استعداء بالحديث عن تميز القضاة كطبقة اجتماعية مميزة بخلاف الحقيقة في حين إن القضاة هم أكثر فئات المجتمع بذلا للجهد والعطاء. هل هناك معايير لمحاسبة القاضي إن أخطأ وكيف تتم؟ نعم, هناك معايير لمحاسبة القاضي في القانون المصري,وهي أشد قسوة من معايير محاسبة أي مواطن آخر, ومن الجدير بالذكر أن سن تقاعد القضاة في العالم العربي والخليج يصل إلي70 أو72 سنة وأن القاضي في أمريكا وانجلترا هو من يقرر التوقيت المناسب لتقاعده وأن الهدف الرئيسي من عدم تقاعد القضاة في سن معينة هو الحفاظ علي خبرتهم المتراكمة عبر السنين وليس تميزا للقضاة بأي شكل. ما رأيك في مشروع قانون السلطة القضائية الجديد وما الهدف منه؟ لم أطلع عليه بدقة وإنما مضمونه كارثي بامتياز ويجب أن يكون معلوما للمواطن في مصر أن القضاة تقدموا بمشروع قانون جديد للبرلمان المنتخب في أول شهر لانعقاده في2012, حيث تقدم به النائب أبوالعز الحريري, والنائب عصام سلطان, والعديد من النواب في حزب الحرية والعدالة والذي شكلت لجنته برئاسة المستشار أحمد مكي, والمستشار حسام الغرياني رئيس المجلس الأعلي للقضاء, وظل هذا المشرع حبيس الادراج حتي صدور الحكم بحل مجلس الشعب, ولعل من حقنا كقضاة أن نتساءل عن القوي والتيارات التي تنادي حاليا بتعديل قانون السلطة القضائية أين كانت وهذا يظهر حقيقة الأمر وهو النيل من المؤسسة القضائية في مصر, وليس دعمها وتطويرها واصلاحها. لماذا لم تتقدم وزارة العدل إذن بمشروع قانون السلطة القضائية؟ السبب في ذلك لابد أن يكون معلنا للجميع أن طرح مشروع تعديل قانون السلطة القضائية علي مجلس الشوري سيكون محل تشكيك من قبل كثيرين, وحاولنا تجنب ذلك بشتي الطرق, والسبب الأهم أن وزارة العدل منذ أشهر عديدة منعت إحداث تعديلات في قانون السلطة القضائية بتخفيض سن التقاعد, وتقف أمام هذه المحاولات ولذلك فإن تقديم القانون الآن ليس مناسبا علي الإطلاق وأن هذا المشرع كان لدي البرلمان لكنه لم يصدر. لا توجد إرادة سياسية حقيقية لإحداث تعديلات قانون السلطة القضائية ومنظومة العدالة في مصر. بصفتكم أحد رموز تيار استقلال القضاء فما أهدافكم؟ ولماذا لا تؤيدون الآن خفض سن التقاعد؟ القضاة مستقلون مع أنفسهم ومواقفهم ثابتة وواضحة وأن الهدف الأساسي هو اصلاح ودعم استقلال القضاء لحماية المواطن وحفاظا عليه, ونحن لا نؤيد خفض سن التقاعد حفاظا علي خبرات القاضي المتراكمة عبر السنين, وإن كنا قد رفضنا رفع سن التقاعد في النظام السابق, فهذا لرفضنا الاستغلال السياسي. هل يحتاج القضاء كما يتردد للاصلاح أو كما قيل بالحرف الواحد ينقي الثوب القضائي الأبيض من البقع السوداء؟ تعرض القضاء في عهد النظام السابق لبعض ما تعرضت له معظم مؤسسات الدولة, لكن القضاء لا يوجد فيه فساد مؤسسي كما يدعي البعض, فالمؤسسة القضائية قوية قوامها العام سليم وتوجد حالات لابد من محاسبتها واتخاذ جميع الإجراءات ضدها, وهذا يتم بشكل يومي لأن القضاة ليسوا فئة مميزة أو طبقة فوق الجميع, فالقضاة جزء من الشعب, ولكن القضاء المصري بحكم تركيبته أن ينقي نفسه بنفسه. هل يتضمن الدستور الجديد مواد تتعلق بتطهير القضاء؟ لا توجد علاقة مطلقا بين الدستور الجديد وتطهير القضاء, ومن يتحدث عن هذا يحمل دعوة ظاهرها الحق وهي في حقيقتها دعوة باطلة. يتضمن الدستور الجديد المادة169 التي تنص علي ضرورة أخذ رأي الهيئات القضائية في أي مشروع يتعلق بها فلماذا لم يتم الأخذ برأي القضاة في أي قانون خاص بهم وفقا للدستور الجديد؟ إن ما يعد للقضاء الآن ليس مشروعا لقانون جديد إنما مشروع لهدم القضاء في مصر, ومن المؤكد عرضه علي المجلس الأعلي للقضاء وحينها فإن المجلس لم يقبله.