عمرو الورداني: الالتجاء إلى الله سنة لمواجهة الكوارث وتحقيق التوازن النفسى    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    أحمد موسى: مصر تفتتح أكبر سوق جملة لضبط الأسعار أكتوبر المقبل    إيران: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا تهدد السلم في المنطقة    عباس: الفلسطينيون في لبنان لن يكون لديهم أي نشاط خارج إطار القانون اللبناني    63 شهيدا في غزة جراء غارات وقصف الاحتلال منذ فخر الأربعاء    وزيرا خارجية الجزائر وألمانيا يبحثان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك    حشيش وشابو وفرد روسي.. مباحث الأقصر تضبط عنصرين إجراميين بالاقالتة تخصصا في تجارة المخدرات    مصرع طفل غرقا في ترعة الصافيه بكفر الشيخ    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    مصطفى شحاتة ينضم لفريق عمل فيلم بنات فاتن    شركة مياه الشرب تعلن بدء عودة المياه لمدينة المنيا    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    باريس: استهداف وفد دبلوماسي في جنين تصعيد مرفوض ونطالب بتفسير عاجل    بعد توصيل أطفاله للمدرسة.. اغتيال مسؤول أوكراني متعاون مع روسيا في إسبانيا (ما القصة؟)    تشكيل بتروجيت لمواجهة سيراميكا في كأس عاصمة مصر    الزمالك يعلن في بيان رسمي توقيع اتفاقية لتسهيل تجديد العضويات    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي 2025 في محافظة الجيزة (فور إعلانها)    "الوفد" يعلن رؤيته بشأن قانون الإيجار القديم ويطرح 4 توصيات    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    بيع 6 قصور.. اتهامات متبادلة بين أحفاد نوال الدجوي بشأن الثروة    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    هل كانت المساجد موجودة قبل النبي؟.. خالد الجندي يوضح    هل يجوزُ لي أن أؤدّي فريضة الحجّ عن غيري وما حكم الحج عن الميت؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مصدر: التعليم الثانوي ينطلق بمرونة لمواكبة التخصصات الحديثة    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    ماركو بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف فراعنة الطائرة ولا أسمح بالتدخل فى اختيارات القائمة الدولية    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قبل مواجهة بتروجيت.. قرار من أيمن الرمادي بعد انتهاء معسكر الزمالك    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المرور اليوم.. زحام وكثافات بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    تحت ال50 .. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 21 مايو 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيقاعات متفردة على هامش رواية 'ذاكرة الأشجار'
نشر في المساء يوم 13 - 04 - 2015

بقلمه استطاع الكاتب المبدع محمد جبريل أن يسجل في روايته الجديدة "ذاكرة الأشجار"، الصادرة عن دار الحياة للنشر بالقاهرة، منحنى تاريخيًا مهمًا في سلسة كتاباته المتنوعة والغزيرة متوجًا مشروعه الأدبى بهذه الرواية الجديدة: من حيث طرح الأفكار والتجربة ومن حيث تكنيك البنية الفنية المستخدمة التي اعتمدت بشكل كبير على الفلاش باك والجمل الحوارية وتلك التفاصيل التي تزيد النص دهشة وارتباكًا في آن واحد.
هل هي محاولة لإعادة الجمال إلى هذا العالم الذي انتابه الكثير من القبح. وفي الوقت نفسه تعد محاولة جادة لإنجاح فكرة الحب: بعيدًا عن إشكالية الحب بين شخصيتين تعتنقان ديانتين مختلفتين: بينهما ذلك الفارق الاجتماعي والثقافي, هل ستعيش الفكرة؟ هل الحب فكرة قائمة على معطيات بعينها؟ أم أنه شعور لا يستطيع الإنسان أن يحكمه باعتباره منحة إلآهية يهبها الله في هذه الحياة لمن يمتلك قلبًا ينبض ورهافة حس, الحب فعل باق وحتى إن انتهت مراحل الشخوص في الحياة.
بعيدًا عن الإسكندرية معشوقته التي أثرى بها فضاءات نصوصه الأدبية: "رباعية بحري .. الميناء الشرقي .. مد الموج .. زمان الوصل .. صيد العصاري .. والبحر أمامها" وغيرها من النصوص التي رسمت بيد رسام بارع ملامح مدينة بعينها وشوارعها.
جاء المكان في تلك الرواية بعيدًا كل البعد: نحن في حلمية الزيتون في شارع الأشجار. ويعود بنا السارد العليم إلى الوراء إلى تلك البيوت الهادئة الناعسة على حكايات من زمن ولى. تجاوز المكان كونه مجرد خلفية تقع عليها أحداث الرواية، بل صار محورًا رئيسًا من المحاور التي تدور حولها عناصر الرواية وشخوصها.
لجأ المؤلف إلى تلك التقنية الباهرة التي تمتلكها أنامله فجاءت برهانًا على قدرته أن يجعلنا نرى الأشياء أكثر وضوحًا وبث المصداقية فيما يروى حتى أن بعض الشخوص كانوا يحملون أسماء شخصيات حقيقة يعرفها الكثيرون, فرسم لنا بالكلمات صورًا بصرية جعلتنا نرصد الصور الطبوغرافية للشارع والمحال والنوافذ والشرفات، فاستخدم هذا الكم من التفاصيل الصغيرة ليشعر القارئ من خلال تلك المشاهد بروح الأبطال، مؤكدًا تلك العلاقة بين المكان والشخصية في النص الروائي تلك التي عكست بدورها الفروق الاجتماعية والنفسية والأيديولوجية لدى شخوص الرواية.
وجاء الوصف أيضًا بمثابة تهدئة للحركة السردية الصاخبة للتخفيف من حدة الأحداث القهرية من خلال بث صور بصرية تتسم بالرومانسية، تعدت الصور الفنية المطروحة كونها فضاءً خارجيًا تثير في ذهن المتلقى ليس صورًا بصرية فحسب بل صارت صورًا حسية، وهنا تكمن عبقرية اللغة الروائية السهلة الممتنعة فجاء التصوير اللغوي ثمرة انتقاءات مستمدة من الحياة الإنسانية ككل. جاءت هي أيضًا توعز بمعان كثيرة.
جاء الحوار والمونولوج الذي يحمل كمًّا من الشجن في تلك العلاقات الثنائية فغيرت إيقاع السرد وتطرقت بنا إلى ذلك المنحنى الدرامي الذي اتخذته أحداث الرواية فيما بعد.
ويذكر أن ذلك الاتجاه الذي اتبعه المبدع في مشروعه الثقافي الأكبر يمثل نوعًا آخر من الإنتماء بل رمزًا من رموز التحدي لأن الكتابة لديه هي فعل مقاومة في المقام الأول والكتابة فعل اشتباك.
أخذنا المبدع في تلك الرواية الحافلة بالكثير من التأويلات إلى بؤرة حنين من نوع آخر. بوابة أخرى للبحث عن زمن الحب الضائع. أليس للحنين تجاعيد لا تقرؤها سوى مرايا الغياب؟
عتبة الولوج إلى هذا النص أيضًا كانت أحد مفاتيح الكشف بل وطرحت منذ أول وهلة سؤالًا وجوديًا مهمًا عن الحياة والموت، والموت الذي يشبه الحياة! هل الشمس التي تغيب هنا لا تشرق هناك؟
ثم رسم الملامح الخارجية للشخصيات فكاد القارئ أن يتلمس هو أيضًا أغوارها ومكنون أسرارها.
ها هي "سيلفي" الفتاه المصرية الإيطالية تقع في شرك حب من نوع خاص جدًا. ويستحوذ على قلبها الشاب "ماهر فرغلي" لتبدأ رحلة معاناة المشاعر، ويكشف قلم المبدع عن كم العقبات التي نسجتها العادات والتقاليد في مجتمعنا الشرقي كحائل وسور مع سرد مفصل للحياة اليومية التي كانت تعيشها تلك الأسرة المصرية المنحدرة من أصول أوروبية أو أجنبية في تلك الفترة الذهبية من بداية الخمسينيات. وتفاصيل أخرى مشرقة عن المساجد والكنائس والصلاة والقداس والمناولة والاعتراف مهيئًا بدورها طريق الخلاص النهائي الذي اختارته البطلة لينتهي ظهورها على مسرح الحكاية وتذهب طواعية إلى الرهبنة التي لا أعتبرها نهاية بل فاتحة حياة أخرى مغايرة لشخصية "سيلفي" ومعتقداتها. مؤكدًا أنه ليس هناك شر خالص كما أنه ليس هناك خير خالص. وأن النفس الإنسانية مزيج من هذا وذاك.
أما عن جوهرة الرواية في رأيي فهو العنوان المحمل بالكثير والكثير: ذاكرة الأشجار .. الذي أحالني إلى التحليل والأخذ بنظريات علماء النفس: وعلى رأسهم "برجسون" أن الذاكرة ذات طابع نفسي تظهر في مساحة اللاشعور وخاصة إن كانت تحوي لقطات معينة تأثر الإنسان بها وطفت على السطح وظهرت تحمل دلائل صمودها عبر الزمن والوقت، لأن زمن الحكي باق والنهايات فيه مفتوحة، بل وتحيلنا إلى أن الذكريات في حد ذاتها أسلوب يعيد المبدع من خلالها بناء الأحداث بل وإعادة تركيب الصور بشكل أكثر وضوحًا: الذكريات نبدأ في تخزينها عندما يكون لدى الإنسان ارتباط عميق بالحياة والبشر.
جاءت آنسة الأشجار وكأنها تمتلك بدورها ذاكرة راسخة تكاد تكون كائنًا حيًا وليس مجرد نبات وأغصان تحمل نبضًا وقلبًا وعقلاً. وأن الحكايات مثل الأشجار لا تموت بل تظل واقفةً هناك شاهدة وأنه من قلب المحن تظهر مثل ضوء شمس نهار لا يقرب عن الأفق المشاعر الشفيفة الراقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.