قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما استئناف المساعدات العسكرية لمصر يجب أن ننظر إليه ونحلله بواقعية وهدوء دون انفعالات أو مزايدة أو حتي شماتة.. سواء من حيث المعني أو المضمون أو التوقيت. أولاً.. هذا القرار الذي ذكره أوباما للرئيس السيسي أمس الأول في اتصال تليفوني ليس "عطية" من أمريكا لنا.. لأن المساعدات العسكرية بالذات هي التزام أمريكي منصوص عليه في اتفاقية كامب ديفيد لاستمرار وحماية ودعم السلام بين مصر وإسرائيل.. وبالتالي فإن التخلي عن هذا الالتزام كان محاولة أمريكية يائسة وبائسة للضغط علي مصر بعد ثورة 30 يونيه وسقوط الاخوان.. وهي محاولة افتقدت الكياسة السياسية. * ثانياً .. القرار كما صرحت برناديت ميهان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي نص علي تسليم مصر 12 طائرة "اف 16" وكذلك 20 صاروخ هاربون و125 دبابة "ام 1 ايه 1" وقطع غيارها.. وهي صفقة ليست جديدة بل متعاقد عليها بالفعل ولكن أوباما تعنت وأوقفها منذ يوليو 2013 ظناً منه أنه يؤدب مصر بذلك. * ثالثاً .. لماذا الآن وبعد قرابة سنتين من وقف المساعدات يفرج أوباما عن الصفقة؟؟.. والاجابة ببساطة شديدة تنحصر في ست نقاط: * الانفتاح الواسع لمصر علي موسكو العدو اللدود لأمريكا. * قرار مصر تنويع مصادر السلاح ما بين روسيا وفرنسا.. وفي الطريق ألمانيا والصين.. وفي القريب باقي دول العالم. * عودة مصر بقوة وعلي كافة الأصعدة عالمياً وعربياً وافريقياً من خلال 4 خبطات مدوية : الأولي.. قرب الانتهاء من حفر قناة السويس الجديدة والثانية.. المؤتمر الاقتصادي الناجح جداً الذي شارك فيه العالم كله بمسئوليه وشركاته ومستثمريه والتدفقات المالية الضخمة التي دخلت مصر فعلاً أو في طريقها للدخول والمشروعات المقرر إنشاؤها مما ينعش الاقتصاد المصري. والثالثة.. وثيقة إعلان المبادئ حول سد النهضة والخطوات الجادة التي تتسارع لحل المشاكل العالقة بين مصر واثيوبيا حلاً جذرياً. والرابعة.. القمة العربية الناجحة جداً بشرم الشيخ والتي حضرها 14 زعيماً بين ملك ورئيس وأمير والقرارات القوية الصادرة عنها وأهمها تشكيل "جيش عربي" سوف يمنع حتماً التدخلات الأجنبية في النزاعات والشئون العربية. * إن العرب عامة ومصر والسعودية خاصة لم يعودوا ليحصلوا علي اذن من واشنطن للتحرك وحماية أمنهم القومي بدليل أن مصر اتخذت بمفردها قرار الضرب في مصراتة بليبيا بعد المجزرة التي نفذها داعش هناك. وأن السعودية ومصر والدول المتحالفة معهما نفذت "عاصفة الحزم" في اليمن دون اذن من أمريكا.. وهي لغة جديدة لم يتعود عليها الأمريكان من العرب جعلتهم يتساءلون : "هو فيه إيه؟؟". * تنامي الدور الروسي والإيراني في المنطقة بشكل يهدد مصالح أمريكا ذاتها ونفوذها.. فالروس يساندون إيران وسوريا وطهران تساند كل الشيعة وتسعي لفرض الهلال الشيعي بالعراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها.. والعرب مصممون علي استمرار "عاصفة الحزم" حتي تحقق أهدافها.. فكان لابد أن تغير واشنطن سياستها. * إن شعبية أوباما في أمريكا تدهورت جداً ووصلت إلي أدني مستوي بسبب موقفه العدائي من مصر واصراره علي مساندة الاخوان.. ومن ثم كان عليه أن يصلح ما أفسده بيديه حماية له ولحزبه في الانتخابات القادمة. من أجل كل ذلك.. رأي أوباما أن هذا هو التوقيت المناسب لجذب العرب من جديد بعيداً عن الحضن الروسي الإيراني.. وكانت أولي خطواته لتحقيق ذلك قرار رفع الحظر عن صفقة السلاح لمصر ومن المؤكد أنه سيتلوها بخطوات أخري.