الشاعر "الحسيني عبدالعاطي" من المهمومين بالوطن وقضاياه. وهو دائماً في دوامة الصراع بين انكسار الحلم وإشراقة الفجر. وشاعريته تنبع من فطرته النقية الصادقة في تعاملها مع الواقع. واستشرافها آفاق الحلم. وهو "يمتشق النور". ويسافر في "سنبلات الحلم". وهو أقرب إلي شعراء الطبع والارتجال. من حيث لا يجهد نفسه في تشكيل تجربته. ولا يتعمد صنع الرموز. ولا يتكلف في الإغراب "اللفظي". والتعقيد البياني. وهذا الاندفاع الفطري والصدق الشعوري في تشكيل التجربة يجعل شاعريته أقرب إلي تجسيد ملامح الشخصية المصرية الشعبية ذات البعد الإنساني الحضاري. وهذه البصمة المصرية ذات القسمات الإنسانية في شعر الحسيني عبدالعاطي تطبع تجربته بالصبغة الوجدانية والايقاع الرومانسي. والاحساس الدائم بالصراع بين انكسار الحلم. وإشراقة الفجر. وهو يجسد هذا القلق الوجودي في خطابه لحبيبته. التي تقودنا إلي دائرة التأويل في نصه الذي جعل إحدي عتباته "رحيل" عنواناً مفارقاً: "فكم كنت أعشق فيك الزمان/ ولكن وجه الزمان استدارا/ وأسأل عنك الشموس اللواتي/ أقامت علي ضفتيك النهارا/ وغنت مع الحب في وجنتيك/ تفتح للشوق داراً فدارا/ فيا زهرة القلب مُدي يديك/ فإني غريق أجوب البحارا/ ويا زهرة النفس أنت التمني/ وكم كنت يوماً لهيباً ونارا". إن هذا البوح الوجداني. والإيقاع الرومانسي. يقودانا إلي قراءة قصيدته "الفجر" قراءة استكشافية تأويلية. وهي قراءة الشاعرية. أي قراءة النص من خلال شفراته بناءً علي معطيات سياقه الفني. والنص هذا خلية حية تتحرك من داخلها مندفعة بقوة لا ترد لتكسر كل الحواجز بين النصوص. ولذلك كما يقول النقاد فإن قراءة الشاعرية تسعي إلي كشف ما هو باطن في النص. أو تقرأ فيه أبعد مما هو في لفظه الحاضر» وهي أعمق من القراءة الإسقاطية أو قراءة الشرح كما يري "رولان بارت". فالقراءة الإسقاطية نوع من القراءة عتيق وتقليدي. لا تركز علي النص. ولكنها تمر من خلاله ومن فوقه متجهة نحو المؤلف. أو المجتمع. وتعامل النص كأنه وثيقة لاثبات قضية شخصية أو اجتماعية أو تاريخية. والقارئ فيها يلعب فيها دور المدعي العام الذي يحاول اثبات التهمة. وقراءة الشرح تلتزم بالنص. ولكنها تأخذ منه ظاهر معناه فقط. وتعطي المعني الظاهري حصانة يرتفع بها فوق الكلمات. إن هذه الحيرة الكونية. وهذه النزعة الإنسانية. من الدوافع التي جعلت من نص "الفجر" أنموذحاً يُختار للترجمة إلي اللغات الأخري. وشفرات هذه النزعة الإنسانية التي تثور علي الحدود الاقليمية الضيقة أو الرؤي المسوَّرة بحدود الزمان والمكان تومض من خلال اختيار المفردة اللغوية.