يقول بولان "يعرف كل امرئ أن في عصرنا نوعين من الأدب: الأدب الغث الذي هو حقاًً غير جدير بالقراءة. وهو المقروء غالباً. ثم الأدب الجيد الذي لا يقرأ". كانت المعادلة الصعبة التي طرحت نفسها في البداية. هي أن أكتب ما اطمئن إليه. وان يطمئن القارئ إلي قيمة ما أكتب. وبالتحديد. فقد كنت أحب ان اضع القصة في الإطار الذي أتصوره في عصرنا مناسبا لها. وليس في إطار السلفية الثابتة. ولم يكن التجديد لمجرد التجديد هو هدفي في الحقيقة. بقدر ما كان يصدر عن نظرة يقينية أن دائرة الفنون الخلاقة مكتملة. وأن الأسلوب الذي يعالج به الفنان لوحة. ربما يفيد منه كاتب القصة القصيرة. والوسائل التكنيكية التي يلجأ إليها كاتب السيناريو السينمائي قد تحقق التأثير ذاته في رؤية أدبية. والهارموني الذي يحرص عليه المؤلف الموسيقي هو ما يحقق للقصيدة الشعرية وحدتها العضوية. ولفرجينيا وولف مقولة شهيرة "في ديسمبر 1910. أو حوالي هذا التاريخ. تغيرت الطبيعة الإنسانية". وكانت فرجينيا وولف تقصد بتغير الطبيعة الإنسانية. تغير المعرفة بالطبيعة الإنسانية. أما التاريخ الذي كان بداية لذلك التغير. فهو تاريخ اقامة معرض للرسامين بعد الانطباعيين في لندن. عرضت فيه أعمال لسيزان وفان جوخ وماتيس وبيكاسو. كانت تمثل ثورة علي المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي. والتي تقف في مؤازرة المدرسة الطبيعية في الرواية "حددت فرجينيا وولف تاريخ الثورة علي المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي. والطبيعة في الرواية. بأنه ديسمبر 1910". مع ذلك. فإن محاولات نجيب محفوظ في الأربعينيات من القرن العشرين جاءت أشبه بثورة في دنيا الرواية العربية! بلغ يقيني بصلة الفنون بعضها ببعض. وضرورة تأثر كل فن بالفنون الأخري. أني رفضت "قد" في رأي سارتر بأن الفنون في عصر واحد قد تتبادل التأثير فيما بينها. ذلك لأني كنت اؤمن ومازلت بضرورة ان لم يكن بحتمية ذلك التأثر والتأثير الذي تتبادله فنون العصر الواحد. وطبيعي أن الرفض ينسحب علي قول ميشيل بوتور بأن الرواية الجديدة انتهت ومهمتها كانت إزالة الحواجز بين الفنون. انه رأي متناقض وغير منسجم. لأن إزالة الحواجز بين الفنون ليست عملا طارئاً. ولا وقتياً. ولا تعبيراً عن مودة موسمية. إن الأدب علي نحو ما محور لبقية الفنون. نقطة جذب واتصال. ايقاع المفردات والتعبيرات يتسلل إلي الأذن. فيحمل طبيعة الموسيقي. ويطالع العين. فيحمل طبيعة الفن التشكيلي. وقد استطاعت الرواية عندما لجأت إلي فنيات الإبداعات الأخري. مثل السينما والمسرح والموسيقي وغيرها. أن تغادر عنق الزجاجة. تجاوز الاستاتيكية إلي ديناميكية متجددة. تستوعب الإبداعات الأخري. وتسيطر وربما تفوقت عليها. وبالطبع. فإن فنية العمل هي التي تفرض اللغة. وأسلوب التناول. وإن كنت أحاول أن أفيد من لغة الشعر. ثمة روائي يقبل علي روايته بروح "السيناريست". كأن يضع في تصوره حركة مجسدة. تسترسل. أو تتصاعد. أو تمضي إلي الأمام وإلي الوراء. تماما كالمونتاج السينمائي "اذكرك بقصيدة اليوت الأرض الخراب التي تأثرت بالمونتاج السينمائي في بداياته" والسيناريو الأقرب إلي الاكتمال هو السيناريو الذي يقترب من الرواية الجيدة. لكن تميز الرواية في مساحتها العريضة التي يصعب علي أي فيلم مهما يستغرق من وقت أن يغطيها. والقصيدة المكتملة هي التي يتشكل بناؤها في قالب قصصي.