لقد راعت الشريعة الإسلامية مصالح البلاد والعباد من خلال منظومة متكاملة تمثلت في مقاصدها العليا وهي الضروريات التي تشمل حفظ "الدين. النفس. النسل. العقل. المال" والحاجيات والتحسينيات. فقدمت الضروريات علي الحاجيات. والحاجيات علي التحسنيات. ولقد ضرب النبي صلي الله عليه وسلم المثل الأعظم والذي تجلَّي فيما حدث في صلح الحديبية حين تنازل صلي الله عليه وسلم في وثيقة الصلح بكتابة باسمك اللهم بدل البسملة. ومحمد بن عبد الله بدل محمد رسول الله. فاستثمر مدة الهدنة بينه وبين المشركين في تربية الرجال ونشر الدعوة ومخاطبة الملوك. ونحن اليوم بصدد الحديث عن فقه الأولويات الذي غاب عن البعض أو ربما غاب عنهم الفقه والعلم الشرعي. وآثروا إلا أن يحدثوا البلبلة ويشقوا الصف. ويلتزموا طريق الشطط. وينتهجوا منهج التطرف في الفكر والشذوذ في الرأي. للدرجة التي حملت مفتقدي العلم الشرعي وأدني درجات الفهم إلي الطعن في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم والتشكيك في الصحاح وسب أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم. معرضين عن قول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي. فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم. ولا نصيفه". وتطاولوا علي كتب الصحاح التي عليها إجماع الأمة من المتقدمين والمتأخرين. فقال الإمام النووي: "اتفق العلماء علي أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان. البخاري ومسلم. وتلقتهما الأمة بالقبول". وقال في موضع آخر: "وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما. وهذا متفق عليه". فلماذا تثار مثل هذه القضايا الآن والتي يغيب عنها فقه الأولويات اللهم إلا أن يكون الغرض منها إثارة الفتن في وقت يحتاج فيه الوطن لبذل الجهد لأجل البناء والتنمية بدلاً من ضياعه في ما لا طائل منه. فلا غرو أن ينهل الجميع من معين هذا الفقه المانع. رغبة في بناء عقيدة صحيحة. لا تلين أمام ذلك التيار الجارف من التشدد والمغالاة والتخوين وما شابه» متأسين بما فعله النبي صلي الله عليه وسلم في المرحلة المكية. ببناء جيل لا يثنيه عن دينه شيء كما قال صلي الله عليه وسلم عمن كان قبلنا. وهو بلا ريب متمثل في جيل الصحابة:"كان الرجل منهم يُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَي مَفْرِقِ رَأْسِهِ. فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ". فقد كان تركيزه صلي الله عليه وسلم منصبًّا في مكة علي الدعوة إلي الأسس المتينة من عقيدة التوحيد وإخلاص العبادة لله وتربية الصحابة علي السلوك القويم دون الدعوة إلي الجهاد بمعني القتال في سبيل الله. أو شغل المسلم بالأحكام والمسائل الجزئية والخلافية. فأعدَّ جيلاً حمل علي عاتقه هم الرسالة والدعوة وحفظ الدين حتي وصل إلينا غضا طريا وتركنا علي المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.. وللحديث بقية..