علي الرغم من بشاعة الهجوم الإرهابي علي صحيفة "شارلي إبدو" الباريسية. والذي راح ضحيته 12 شخصاً.. إلا أن كفاءة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. سوف تقاس بقدرته علي الخروج بالمجتمع الفرنسي من هذه الأزمة بدون خسائر إضافية.. وبدون تصعيد يهدد الأمن والسلام وقيم التعايش ويؤجج مشاعر التعصب والاضطراب العنصري والصراع الديني التي تطل برأسها ليس من فرنسا وحدها.. وإنما في السويد أيضاً وفي بلجيكا وألمانيا. من الضروري أن نؤكد بداية أن الجريمة الإرهابية لم تنتصر للإسلام والمسلمين ضد صحيفة "شارلي إبدو" التي اعتادت علي السخرية والاستهزاء من كل ما هو إسلامي.. بل إنها جاءت بنتيجة عكسية تماماً.. وهذا شأن الإرهاب دائماً.. فالإرهاب الذي يشابه جريمة "شارلي إبدو" لم يحل مشكلة. ولم ينتصر لقضية علي امتداد التاريخ.. وهذا الإرهاب يختلف عن مقاومة المحتل الغاصب اختلافاً واضحاً. ولا شك أن الجريمة الإرهابية التي استهدفت "شارلي إبدو" كانت صدمة كبيرة بالنسبة للفرنسيين ولحكومتهم ورئيسهم.. ثم كانت الجريمة الإرهابية الثانية باحتجاز عدد من الرهائن في متجر يهودي بباريس أيضاً.. ومن الطبيعي أن تواجه الجريمتان الأولي والثانية بمزيد من الغضب والرفض الشعبي.. ومن الطبيعي في ظل مناخ التوتر والتربص أن يتصاعد هذا الغضب لدي بعض المتطرفين إلي إعلان الرغبة في الانتقام والدعوة إلي التضييق علي المسلمين.. بل وطرد 5 ملايين مسلم من فرنسا. هنا.. يأتي دور الرئيس وحكومته والنخبة المحيطة به لنزع فتيل الانفجار. وترشيد الغضب الشعبي.. وإصدار تصريحات مسئولة لإشاعة مناخ من الانضباط ولجم التطرف والمتطرفين. من هذا المنطلق خرج الرئيس أولاند من اجتماع "خلية الأزمة" في قصر الاليزية ليعلن أن فرنسا ليست في حرب مع الإسلام والمسلمين. وأنه يدعو "كل المواطنين" إلي المشاركة في الحداد الوطني والتظاهر في مسيرات للتنديد بالمجزرة الإرهابية.. ويدعوهم في الوقت ذاته إلي رفض "كل مزايدة" و"كل ازدراء". هذه الإشارة الواعية استقبلها المجتمع الفرنسي بكل فئاته وطوائفه علي الوجه الصحيح.. وعمدت وسائل الإعلام علي مدي اليومين الماضيين إلي الدعوة لتوسيع دائرة إدانة الإرهاب والرفض الشعبي لهوس التمييز العنصري.. وكان من أمثلة ذلك. * إبراز صورة الحارس المسلم "أحمد" الذي قتل ضمن ضحايا الهجوم الإرهابي علي "شارلي إبدو". * نشر صور رجال الشرطة الذين يتولون حراسة المساجد في باريس. وغيرها من المدن الكبري.. وأحاديثهم الودية مع المصلين. * التركيز علي دعوة ممثلي مسلمي فرنسا إلي إدانة الإرهاب والمشاركة بأعداد كبيرة في المظاهرات والمسيرات الوطنية. * إجراء حوارات صحفية وتليفزيونية مع رجال ونساء وأطفال مسلمين في فرنسا للتأكيد علي رفضهم لجرائم داعش والقاعدة.. والتأكيد علي أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفرنسي. لسنا ندري بالضبط ما هي الجهة التي نفذت الجريمة الإرهابية بخلاف ما أعلنته داعش والقاعدة. وما وجه من اتهامات للموساد.. ولا ندري بالضبط سر وقوع الجريمة في نفس اليوم الذي صدر فيه كتاب تحريضي ضد المسلمين في فرنسا بعنوان "استسلام" للكاتب المتطرف ضد الإسلام "ويليبيك".. لكن الطريقة التي يتعامل بها الرئيس أولاند تعطي الأمل في أن هزيمة الإرهاب والعنصرية معاً ممكنة.. بشرط استعمال العقل وحُسن التدبير.