المسلمون وصورة الإسلام هم الذين يدفعون الثمن الفادح لهذا الهجوم الإرهابى الجبان الذى استهدف صحيفة شارلى أبدو الفرنسية فى باريس ظهر يوم الأربعاء الماضى. صورتنا كمسلمين سيئة جدا فى الخارج بفعل ممارسات داعش وأمثالها، وستصير أسوأ بفعل العملية الإجرامية الأخيرة. نحن نجحنا بمهارة منقطعة النظير فى الاساءة إلى انفسنا ولا أحد يستفيد مما يحدث إلا كل أعدائنا وخصوصا إسرائيل. لا أحد يقبل الاساءة إلى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، لكن لا يمكن ايضا ان نرد على رسوم كارتونية بالآر بى جى والكلاشينكوف لأن هذا بالضبط ما يريده اعداؤنا. قبل الحادث انشغلت فرنسا ومعها بلدان أوروبية كثيرة بما تسميه خطر التهديد الإسلامى وهناك حملة تخويف رهيبة يشنها اليمين المتطرف ضد العرب والمسلمين تحذر من أن فرنسا قد يحكمها مسلم عام 1922 قالت رواية ساخرة «تدعى الاستسلام» ان اسمه سيكون محمد بن عباس، وسيفرض عليها قوانين الشريعة المتطرفة وصوم رمضان. ورأينا أيضا المظاهرات المتعددة المناوئة للمسلمين فى ألمانيا قبل أيام قليلة. زرت باريس قبل حوالى أسبوعين بدعوة من وزارة الخارجية الفرنسية واشتمل جدول الزيارة على زيارة جريدتى الفيجارو ولوموند، ومحطة فرانس 24 ،واذاعتى مونت كارلو وفرنسا الدولية الموجهة، إضافة إلى مقابلة باحثين مستقلين ومسئولين بارزين مختصين بشئون المنطقة وأفريقيا. الهاجس الأكبر الذى يشغل الجميع هو داعش وماذا يمكنها ان تفعل فى فرنسا وأوروبا والعالم. المسئولون والباحثون والخبراء يدركون ويفرقون بوضوح بين داعش وبين الإسلام، وبلدهم يشارك بفاعلية فى التحالف الدولى ضد داعش فى العراق وسوريا. ما يشغلهم تفصيلا هو استقطاب داعش لمواطنين من أصول فرنسية كاملة وليست عربية أو إسلامية، والتداعيات الخطيرة التى يمكن ان تنتج عن هذا الأمر. جلست مع دبلوماسى فرنسى كبير وقال لى بوضوح: ما نخشاه هو الظاهرة المسماة بالذئاب المتفردة، وهى ان يكون بيننا مواطن فرنسى لا يمكن ان نتوقع منه أى شىء، وفجأة يخرج علينا مفجرا نفسه أو مرتكبا عملا إرهابيا كما حدث بمقهى سيدنى بأستراليا وقتها. التقديرات الفرنسية ان هناك حوالى ألف فرنسى انضموا إلى داعش استمر منهم حوالى 380 شخصا حتى الآن، هؤلاء يمثلون كابوسا لكل المسئولين الفرنسيين وغالبية المجتمع. الفرنسيون مشغولون بسؤال صعب خلاصته كيف لمواطن من أصل فرنسى بالكامل ان يعتنق أفكار داعش المتطرفة، كيف يكفر مجتمعه ويخرج عليه؟!. الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرفة بزعامة مارى لوبان تلعب على هذا الوتر وتكسب شعبية كبيرة كل يوم لأنها تخاطب البسطاء وتقول لهم ان كل ما يعانونه من مشاكل سببه الوحيد هو المهاجرون الأجانب خصوصا العرب والمسلمين. ومع المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها فرنسا وتراجع شعبية الرئيس فرانسوا أولاند إلى أدنى مستوياتها «حوالى 12٪» هناك توقعات ان تكون لوبان أحد طرف جولة الإعادة فى السباق الرئاسى المتوقع فى العام المقبل. وبالتالى فإن المستفيد الأول داخل فرنسا من الهجوم الإرهابى على شارلى أبدو هو الجبهة الوطنية وكل المتطرفين وكارهى الإسلام فى فرنسا والعالم. أغلب الظن أن هذا الحادث سيطلق يد الحكومة فى اتخاذ إجراءات قاسية، ولن يستطيع أحد لومها لأنها تخشى رد فعل الشارع. خلافا لما يتوقعه الإرهابيون فإن الحادث سيقود إلى المزيد من تشويه صورة الإسلام والمسلمين لأن أعداءهم سيقولون بوضوح: «انظروا هذا هو دين المسلمين؟». ووقتها لن نستطيع الوصول إلى كل الأوروبيين لنقول لهم: «هؤلاء الإرهابيون لا يمثلوننا»، والسبب ان غير المسلمين يحكمون على الإسلام من خلال ممارسات ابنائه وليس من مطالعة القرآن والسنة!. لسوء الحظ أمامنا وقت طويل حتى نزيل آثار ما فعله الإرهابيون.