لن نمل ولن نيأس.. سنظل نكتب ونكرر ما نكتبه مرات ومرات حتي تتخلص مصر من هذا التشوه الإنساني والحضاري.. أو علي الأقل نساعد في خلق قناعة عامة لدي أبناء الأجيال التي ستأتي من بعدنا.. بأنهم لن ينعموا بالأمن والاستقرار والسلام والرفاهية من دون أن يحققوا العدالة والمساواة في مجتمعهم.. ويرفعوا الظلم الواقع علي الفئات الفقيرة في هذا المجتمع حتي تظل فقيرة إلي الأبد.. وتعيش في القاع إلي الأبد. يتحدث الدستور عن المساواة بين المواطنين بمقتضي حق المواطنة.. ويتحدث القانون عن المساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد دون تفرقة.. لكن الواقع يناقض الدستور والقانون.. والتمييز بين المواطنين يأخذ أشكالاً عديدة صارخة تستدعي التدخل السريع لإصلاح هذا الخلل. لقد سقطت مصر خلال سنوات حكم مبارك الطويلة في فخ التوريث.. ليس فقط توريث مبارك الحكم لابنه.. وإنما توريث المناصب والمواقع القيادية.. ولما قامت الثورة ألغت مخطط توريث الحكم لكنها لم توقف توريث المناصب للأبناء والعائلات.. بل اعتبر هذا التوريث حقاً وامتيازاً مشروعاً يتم الدفاع عنه علانية وبكل قوة. صار العمل في الخارجية محجوزاً لأبناء السفراء وأقاربهم وممنوعاً علي أبناء الفقراء الذين ليس لهم حق في أن يكونوا دبلوماسيين مهما تفوقوا علمياً.. وكلنا يتذكر كارثة الطالب عبدالحميد شتا الذي تفوق في امتحان الخارجية ولكنه رفض لأنه غير لائق اجتماعياً.. وكتب هذا أمام اسمه مما دفعه إلي الانتحار في النيل اعتراضاً علي هذا الظلم الاجتماعي والسياسي.. وللأسف لم يتحرك الضمير الوطني لتغيير هذا المنكر من ساعتها إلي الآن. أيضاً العمل في النيابة وسلك القضاء يتطلب تقديم شهادة الحالة الاجتماعية لتعيين الطلاب وفقاً لمهن عائلاتهم وممتلكاتهم ومكانة الوالدين والأقربين.. ومؤخراً تم رفض تعيين 138 طالباً متفوقاً فقط بحجة أن أولياء أمورهم لا يحملون شهادات عليا. وكلية الشرطة لا تقبل أبناء الطبقات المتدنية لظروفهم المادية ومستوي تعليم عائلاتهم.. وكذلك الوضع بالنسبة للمدارس العليا التي تبحث عن مهنة الأب والأم قبل قبول أبنائهم. هذا التمييز الاجتماعي لا يليق بمصر التي كانت رائدة شعوب العالم في تذويب الفوارق بين الطبقات وفتح كل الأبواب أمام أبنائها للتفوق والصعود علمياً واجتماعياً استناداً إلي قاعدة تكافؤ الفرص. ما نحن فيه اليوم ليس موجوداً في أعتي الدول الرأسمالية.. وإلا ما وصل باراك أوباما الأسود ابن الطبقة الوسطي إلي الكونجرس ثم إلي البيت الأبيض.. بل لم يكن موجوداً في مصر إبان الملكية.. فقد كان الباشوات والبكوات يدافعون عن طبقتهم ويحرصون علي امتيازاتهم.. لكنهم في ذات الوقت كانوا يشجعون أبناء الفقراء المتفوقين والمتميزين علي الصعود والترقي.. ومن هذا الباب دخل عبدالناصر والسادات ومبارك وأمثالهم إلي الجيش. أما الآن.. فهناك حرص غريب علي أن يكون ابن القاضي قاضياً وابن أستاذ الجامعة استاذاً وابن الطبيب طبيباً ولو لم يستحق بينما يظل ابن البواب بواباً ولو كان متفوقاً علي أبناء هؤلاء جميعاً.. فكيف بالله عليكم ستنهض مصر وهذا الظلم يكبلها؟!