ضمن عروض قسم مهرجان المهرجانات فيلم بعنوان "الخادمة لين" عرضه مهرجان القاهرة في دورته الأخيرة التي انتهت يوم الثلاثاء الماضي. الفيلم ألماني والبطلة امراة في الثلاثين. تعمل في احد الفنادق الألمانية كعاملة نظافة.. أنها شخصية ونموذج غير عادي لخادمة يمكن للمتلقي أن يتفهم تركيبتها غير السوية في إطار الثقافة الغربية المادية التي تتسامح وتتقبل الاضطرابات النفسية كأمراض الشذوذ الجنسي والسادية والماسوشية والتشيؤ والفيتيشية "Fetishism" وغيرها. فهذه مجتمعات متحررة ومفتوحة ولا تعترف في العلاقات الجنسية بالتابوهات ولا الخطوط الحمراء. "والخادمة لين" تقدم حالة من هذه الحالات المصابة بالاضطراب السلوكي والنفسي. فهي مولعة ب "الاشياء" الخاصة بزبائن الفندق. تتسلل إلي حجراتهم ترتدي ملابسهم الداخلية وتتلصص علي خصوصيتهم. وبحكم وظيفتها يمكنها أن تدلف إلي غرفهم خلسة وتزحف تحت سرير احدهم وتراقب أفعالهم ومن ثم تعرف بعضا من أسراره. في احدي المرات لها تراقب "لين" زبون الفندق أثناء ممارسة العلاقة مع عاهرة. ولكنها ليست ككل بائعات المتعة. انها من نوع خاص متسلط وصاحبة اليد العليا الفاعلة في هذه العلاقة التي تمارسها دوماً مع رجال يستمتعون بالتعذيب "ساديين" ويمارسون شهوتهم الحسية بالألم وبصوت الكرباج عندما يهوي علي أجسادهم العارية. "العاهرة" في فيلم الخادمة تنتمي إلي فئة معروفة ومميزة ولديها أسلوب ومهارات خاصة تمارس بها هذه المهنة. يميزها قوام ممشوق وبنية قوية وثقة بالنفس وإدارة "!!" وهي ترتدي ملابس مشدودة علي جسدها سوداء في الأغلب. وتمارس عملها وفق منهج مدروس وبايقاعات لصوت السوط أو الآلة التي تستخدمها في التعذيب. وفي مشهد مدهش في الفيلم نراقب مع الخادمة التي ترقد تحت السرير تتابع ما يدور مع زبون الحجرة علي يد العاهرة المتخصصة في التعامل مع هؤلاء الساديين الماسوشيين فتشعر بالإثارة والرغبة في التواصل مع هذه المرأة. ومن ثم تختلس نمرة تليفونها من "الكارت" الذي تركته للزبون في الحجرة. الفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم لكاتب ألماني فقد حولها المخرج "إنجو هيب" إلي سيناريو تفصيلي عن حالة هذه الخادمة لين ورفيفتها العاهرة واسمها "شيارا". الأحداث تتوالي من وجهة نظر "الخادمة" التي شخصها المخرج في سيناريو تفصيلي يتتبع العلاقة التي بدأت بين لين وشيارا والتي تتحول إلي تفاعل عميق يبدد الوحدة ويكسر حالة العزلة. المخرج يرسم بطلتيه بتفاصيل مدروسة. وفهم مُسبق لمثل هذه "الحالات" ولكن من دون اعتبار أي منها حالة مرضية ومن دون إدانة اخلاقية انها حالات "إنسانية" وإن كان لها تعريف عند الأطباء النفسيين. هذا العمل مع فيلم آخر سبق أن أشرت إليه في الأسبوع الماضي بعنوان "خرائط النجوم" للمخرج الكندي دافيد كرونذبرج يطرح سؤالاً مُلحا : هل من اللائق عرض مثل هذه الأعمال الشاذة الكاشفة والفاضحة لألوان من الشذوذ الجنسي منتشرة في المجتمعات الغربية حتي لو وصلتنا ضمن أعمال حاصلة علي جوائز المهرجانات.. هناك في المهرجانات الغربية تشارك مثل هذه العروض لمجتمعات متحررة من الكوابح ومن التابوهات ولا بأس من كشف التفاصيل الجنسية لهذه الصراحة المثيرة للتساؤل. هنا في مصر من يؤمن بهذه الحرية المطلقة المتحررة من المسئولية المجتمعية وهي فئة لا تمثل نصفاً في الألف من جموع الشعب المصري. ومنهم من يعملون في هذه التظاهرات الفنية ولا يعترفون بالتقاليد ولا بالخصوصية الثقافية والأخلاقية لجموع الشعب المصري.. ولا يرون الظروف الدقيقة التي نمر بها مثل هذه الحرية غير المسئولة تفتح الباب أيضاً أمام مستوردي الأعمال والمسلسلات التي تعرض في التليفزيون لأن "الشذوذ" و"زواج المحارم" أكثر جاذبية بالتأكيد مع انتشار الأمية والخرافة والجهل والكبت بأشكاله.. الشذوذ لا يستحق أن نكافئه ونكرسه.