لصديقي الأديب الكبير محمد حافظ رجب قصة بعنوان "الكرة ورأس الرجل".. بطلها كاتب يعاني الإحباط. لظروف يعلمها كل من أدركته حرفة الكتابة. شاهد مباراة في كرة القدم عجز لاعبوها عن تسجيل أي أهداف. وأهداهم الكاتب رأسه فلعبوا بها. وسجلوا ما عجزوا عن تسجيله بالكرة العادية! المعني - كما تري - واضح. وهو ان الغلبة للعلم. وللفكر والإبداع وكل ما يلجأ إلي الذهن الإنساني. حتي لعب الكرة إذا اعتمد علي العلم والفكر والخيال. فإنه سيحقق ما لا تستطيع إنجازه الهواية التي يغيب عنها التخطيط. تذكرت قصة حافظ رجب وأنا اقرأ المكافآت التي يحصل عليها معلقوا مباريات كرة القدم في القنوات الفضائية.. واللهم لا حسد! ما أعرفه انه ليست هناك نقابة للاعبي الكرة. ولا للمعلقين علي مبارياتها. لأن لعب الكرة له معناه الذي يدل عليه اسمه وهو اللعب. فلابد أن يكون للاعب أو المعلق عمله الذي يتقوت منه. أما الكرة وما يتصل بها - حتي لو حصل لاعبوها علي أعلي المكافآت - فإنها تظل في دائرة الهواية. أو - علي أكثر تقدير - في دائرة العمل الموازي. ما أعرفه كذلك أن صفة الكاتب تطلق علي كل المشتغلين بالكلمة. باعتبار أن الكتابة مهنة. وانها ينبغي ان تدر علي أصحابها ما يحقق لهم دخلاً يجعلهم في غير حاجة إلي تبديد الوقت فيما قد يصرفهم عن مهنتهم الأصلية.. يؤكد هذا المعني - كما اشرت - إلي انه لا توجد نقابة للاعبي الكرة ولا المعلقين علي مبارياتها. فالمفروض ان الكرة لعبة. هواية. يشغل بها اللاعب فراغ وقته. ولعدد محدد من السنوات. يعتزل بعدها ليتفرغ إلي وظيفته. أو يتحول إلي الإحتراف في الإدارة والتدريب. أما الكتابة فهي - في مصر. وفي كل دول العالم - مهنة معترف بها. وحين يضع الكاتب مهنته في خانة العمل في بطاقة الرقم القومي. ويقر اتحاد الكتاب هذه الصفة. وتوافق عليها أجهزة الدولة.. فإن لذلك كله دلالته التي يصعب إهمالها. لكن المفارقة المضحكة - والمؤسفة في الوقت نفسه - ان البرامج التي تدفع آلاف الجنيهات لمن يتحدث في الكرة. ترفض ان تدفع مليماً واحداً لمن يتحدث في الثقافة.. وهذا هو الفرق - في تقديري - بين الدول المتقدمة ونقيضها. لا أقلل من جمال لعبة كرة القدم. فأنا شخصياً أحبها وأتابع مبارياتها. وأدعو أن يتجاوز فريقنا القومي وعكته الطارئة. فتعود إليه بطولة افريقيا التي هجرته منذ سنوات. كما يعود إلي مباريات كأس العالم التي طالت مفارقتها له.. لكم المقارنة المتأملة بين عطاء الرأس وعطاء القدم تفرض عشرات الأسئلة المحيرة. من حق لاعبي الكرة ومعلقي مبارياتها أن يحصلوا علي مقابل حب الجماهير للعبة الشعبية المحبوبة.. لكن: أليس من حق الكتاب - عقل الأمة ووجدانها - أن يجاوزوا الهامش الذي يحرص البعض علي أن يظلوا فيه؟ الحقيقة التي أثق أن المسئولين عن إدارة العمل الثقافي - والإعلامي بعامة - يدركونها جيداً. أن الكاتب يحصل علي أعلي الأجور - أعلاها إطلاقاً - في معظم بلاد العالم. أما في بلادنا. فإنه لا يحصل إلا علي ما يساوي قيمة الورق. أو لا يتقاضي أي مقابل. بل إنه - للأسف - ينفق علي ما يكتبه! فلماذا تسمي الكتابة مهنة؟ وما معني أن تكون للكتاب نقابة؟