لم أحضر افتتاح مهرجان القاهرة في دورته ال 36 "9 - 18 نوفمبر" هذه هي المرة الأولي التي يهاودني قلبي عند اتخاذ هذه الخطوة غير المسبوقة فلماذا اذهب إلي الحفل الدولي وقد قرر منظموه أن يغيب فيلم الافتتاح "!!" بحجة أراها الأقبح في تاريخ المهرجانات قيل إن المدعوين يهرولون مباشرة بعد انتهاء مراسم الاحتفال إلي حفل "العشاء" تاركين عرض الفيلم.. أي أن الخبز قبل الفن في هذه المناسبة التي نحتفل بها سنوياً ومنذ عام 1976وهنا أستطيع أن أزعم أنني وزملاء غيري ومحبين آخرين للسينما لم يحدث أننا تركنا مشاهدة الفيلم لحضور "العشاء". كما أزعم بنفس القوة أنه لا يبدأ مهرجان للسينما بدون فيلم قوي يفتتح به فعالياته. والحمد لله أنني قررت دون تردد أن أوفر عافيتي وأتجنب مشقة المشوار والصعود إلي القلعة وتحمل البرودة واختزلت المعاناة في صوت رديء وإضاءة أكثر رداءة ومشاهد محزنة تشهد بالعشوائية والتخبط نقلها التليفزيون ولم يشفع للقناة التي بثت الحفل اعتذارها عن هذا القصور علانية. من يريد أن يعرف الانطباعات التي رافقت حفل الافتتاح مباشرة بعد انتهائه يمكن أن يقرأ ما كتب علي مواقع التواصل الاجتماعي فما قيل يمكن أن يملأ المحكي التاريخي ما يجعل أحجاره تتحرك من الأسي. في الحفل وبعد سماع كلمة المخرج الألماني فوكلر سولندورف الذي يكرمه المهرجان شعرت بالإهانة لما تنطوي عليه الكلمة من نظرة استعلائية لا تليق. والكلمة لم يترجمها الممثل آسر ياسين بسبب عدم تركيزه ربما أو لتجنب الإحراج.. عموماً الترجمة جاءت متأخرة في العدد الرابع من نشرة المهرجان. نفس المخرج في لقائه مع لميس الحديدي وهي تسأله عن عظمة المبني والتاريخ و... أجاب: هذا المبني أقيم لصد الصليبيين - وهو منهم - ولكن لعله يخلو هذه المرة من البنادق. ما أبعد الفارق بين دلالة كلمة المخرج الألماني. وبين ما قاله المخرج الصيني زانج بيمو الذي كان ضيف شرف مهرجان القاهرة في الدورة السابقة "ال 35" منذ عامين. وزيمو فنان متفرد لا يقل مستواه ومقدرته الإبداعية عن هذا الأوروبي الغربي وكانت القاهرة في ذلك الحين "2012" تئن تحت وطأة ظروف مضطربة شديدة الصعوبة وأكثر بكثير مما نحن فيه الآن. ورغم ذلك تم التجهيز لها في أسابيع وليس سنين وبميزانية أقل بقليل وبلا سفه مالي ولا "شيكات" تحرر هكذا ومن دون حسيب فأرجو أن تنتبه "الجوقة" التي أشهرت أسلحتها في وجه المهرجان وضد القائمين عليه ومنهم من جاءوا كأعضاء في لجان التحكيم هذه الدورة "2014" ومن جاءوا كأصدقاء علي حساب هذه الدولة "مصر". الحمد لله أن جاك لانج ضيف شرف المهرجان الآخر لم يحضر والذي ربما حجز له المهرجان جناحاً في أفخم الفنادق وهذا "مقامه" الوظيفي ومكانته هناك في بلده فرنسا. ولكن من هناك ايضا ومن سجل ما هو مسجل عندهم اتضح أن الرجل مولع جنسياً بالأطفال وأنه سياسياً ينحاز ويؤمن بالصهيونية التي هي أوجع أوجاع هذا العالم بل لعلها الوجع الأقوي بالنسبة لمنطقتنا العربية فضلاً عن أنها أم الأيدولوجيات الهدامة الشريرة. المخرج الاسترالي رولف دي هير مخرج "بلد شارلي" وهو فيلم جميل ومهم بسبب موضوعه.. وقف علي مسرح الأوبرا بينما يحيي الجمهور المصري الذي استعد لاستقبال فيلمه قال إنه حين جاء إلي مصر وشاهد الجمال قال إن "مصر هي أكثر بلد رومانتيكية في العالم" وعلي ذكر اسم مصر صفق الحاضرون من دون أن يلتفتوا إلي أن الرجل مازالت تسكنه الصورة النمطية التي صنعها الغرب الكولونيالي وروجت لها صور الكارت بوستال عن الصحراء والجمل والحمد لله أنه لم يذكر تماسيح النيل. ومن المؤكد أن الرجل لم يع دلالة ما قاله لأنه يعبر عن ثقافة مزروعة يعرفها هو جيداً وقد جسدها في فيلمه من خلال شخصية "شارلي" وحكايته. كضحية للاستعمار الأبيض الذي أباد الهنود الحمر في العالم الجديد "أمريكا" وفي استراليا أباد السكان الأصليين. وأباد ومازال يمارس جرائمه بشكل أو بآخر في افريقيا. الوعي مؤلم ولكنه ضروري جداً.