نحن نلحظ أن معظم الكتابات التي تناولت أعمالاً أدبية - قبل عام 1952- نبضها الفلاح والقرية. نذكر محمود خيرت في الفتي الريفي والفتاة الريفية. ومحمود طاهر حقي في عذراء دنشواي ومحمد حسين هيكل في زينب. وطه حسين في الأيام ودعاء الكروان وابراهيم المازني في ابراهيم الكاتب وتوفيق الحكيم في عودة الروح وبنت الشاطئ في سيد العزبة وغيرها.. لكنها تغفل الرواية الأهم في تناولها لأوضاع الفلاح في القرية المصرية. صدرت رواية عصام الدين حفني ناصف "عاصفة فوق مصر" في 1939. لكن الفنان يحدد المساحة الزمنية للرواية بالفترة من 1929 الي 1937. إبان الأزمة الاقتصادية العالمية. ويقدمها بأنها "مصرية في جوها وأشخاصها. عالمية في مشاكلها وفلسفتها" وكان الدافع لتأليف الرواية- كما يشير الفنان- دراسة الأسباب الحقيقية لحوداث قتل النظار في القري المصرية. والتي تحولت الي ظاهرة تستلفت النظر. من هنا فان عصام الدين حفني ناصف ينفي عن نفسه الموهبة. ويضغط علي حقيقة أنه كان في وسع أي شرطي ممن ألفوا تدوين المحاضر ان يكتب هذه الرواية نفسها. لو أنه كلف بمتابعة محضر بسير الأحوال في أي قرية مصرية. أثارت عاصفة فوق مصر عاصفة من النقد والملاحظات. أما ملاحظة محرر "المصور" علي الرواية بأن المقدمة التي يقول فيها الفنان "إنها ليست وليدة موهبة فذة. أو خيال محلق. أو شاعرية مرهفة. فقد كان في وسع أي شرطي ممن ألفوا تدوين المحاضر ان يكتبها بعينها لو انه كلف بكتابة محضر بسير الأحوال في أية قرية مصرية. فهي صنعة لا تدل علي صانع. بل هي بضاعة لا صنعة فيها".. هذه الكلمات لا تنطوي "علي كثير من التواضع" -كما يقول محرر "البلاغ"- و"ليس في استطاعة ألف شرطي ممن ألفوا تدوين المحاضر ان يكتبها" لكنها تمثل إدانة صريحة لواقع الريف المصري بعامة. ووصف محرر "الدستور" الفنان بأنه "دائب الثورة. دائم الغليان. شأن الرجل الفوار" وكتب محرر "الدستور" بتوقيع مختار: "كم من شخصية مصرية تماثل شخصية مظهر باشا سيد تلك القرية؟ عندنا كثير من أمثال مظهر باشا. ذلك الرجل الجاهل المتعلم. يلتف حوله نفر من الضعاف المتملقين الذي يسبحون بحمده. ويقبلون تراب الأرض بين يديه في مهانة وصغار. وهم يعلمون أنهم بذلك يكذبون أنفسهم. ويكذبون ذلك الباشا الذميم. ثمة رأي أننا إذا "سمينا ما كتبه عصام الدين رواية. فقد نسئ إليها لأنها قطع ألم وصفحات بؤس. أشبه ما تكون بالمذكرات والمشاهدات الريفية" وأنه يكفي المؤلف توقيعه في روايته. وصراحته وتضحيته في سبيل فكرته وإصلاح شأن الفلاح. وكتب محرر "البلاغ": "تلكم هي القضية التي حاربت نظام الطبقات. فسدت فراغاً بل وردت عن الفكر المصري عاراً. وليس لي عليها مأخذ. بل لها علي حق الفخار بها" أضاف المحرر ان الفنان آمن أن مصاب مصر في سوء توزيع الثروة. وتسلط طبقة علي طبقة. فكرس جهوده محاربة نظام الطبقات حتي تفئ الطبقة الباغية. أما المازني فقد أشار إلي أن من واجبه -كمصري لا كأديب- أن ينبه إلي هذا الكاتب. لا لأن السيد عصام صديق لي. بل لأن كتابه نذير جدير بالاصغاء. وأخوف ما أخاف أن يصدق عنوانه. فيثير الاهمال العاصفة التي يحذرنا منها". أما محرر "الصباح" فقد كتب: "الأستاذ عصام الدين ناصف يعد من خيرة من وقفوا علي النظم الاجتماعية العالمية. جديدها وقديمها. وأحسنوا درس تواريخها ونشأتها وأسبابها وتطوراتها ونتائجها. وله في هذا الصدد بحوث ومترجمات كثيرة. وهذه القصة أمثولة مصرية من القصص التي يكتب لها الخلود في الغرب. ويكون لها أثر أيما أثر في الانقلابات الإصلاحية".