قبل أن تعلن لجنة جائزة نوبل للآداب منح الجائزة هذا العام للأديب الفرنسي باتريك موديانو. كان الوطن العربي قد دخل دوامة الترشيحات والتنبؤات. وهو ما يتكرر منذ حصل نجيب محفوظ علي أهم الجوائز العالمية. ثمة من يرشح أدوونيس. وتذهب ترشيحات أخري الي نوال السعداوي والجزائرية آسيا جبار. ثم تهدأ الدوامة بمنح الجائزة لأديب من هذا البلد أو ذلك. وأحياكم الله إلي كل عام.. إذا ناقشنا القضية من حيث هي قضية تهم الساحة الثقافية عامة. فلعل الترجمة هي المشكلة الأولي في الجوائز العالمية. بمعني أنه لابد من ترجمة العمل الذي نرشحه للفوز بجائزة عالمية إلي لغة أجنبية مهمة كالفرنسية أو الإنجليزية. لأن أهل نوبل علي سبيل المثال لا يعرفون العربية. أذكر قول نجيب محفوظ لي في بداية الستينيات: الدراسات والمقالات النقدية التي تناولت أعمالي شيء مهم. لكن الأهم هو الترجمة. بدون ترجمة سيظل أدبي مقتصراً علي الوطن العربي. وهذا ما أطمح إلي تجاوزه. الجائزة العالمية تجاوز المحيطين المصري والعربي إلي المحيط العالمي. تحصل عليها انجازات ابداعية علي مستوي الآداب والفنون والعلوم الإنسانية والتطبيقية. فلا تقتصر علي مبدعي البلد الذي تصدر عنه. وإنما تحتفي بكل المبدعين بصرف النظر عن الوطن الذي ينتمون اليه. القيمة وحدها هي جسر الحصول علي الجائزة. أما القول بأن تلك الجوائز جائزة نوبل مثلاً لا تخلو من أبعاد سياسية فهو قول صحيح تماماً. والأمثلة متعددة. يكفي أن أشير الي عدم فوز أدباء عالميين بكل المقاييس بينما ذهبت الجائزة الي أدباء مجهولين عدد من يتكلمون لا أقول يقرءون باللغة التي يكتبون بها لا يجاوز الألفين. والمعلومة ليست من عندي. لكنها صادرة عن لجان الجائزة الدولية. مع ذلك. فإن جائزة نوبل تظل هي الجائزة الأهم. لاجماع الرأي المثقف في العالم عليها. ولأنها ذهبت في أحيان كثيرة الي من يستحقونها بالفعل.. نجيب محفوظ مثلاً. الجوائز العالمية يجب أن تصبح مثلاً للتجرد والموضوعية. بحيث ينالها من يستحقونها بالفعل. وليس لبواعث سياسية مشبوهة. كما أكدت نوبل ذلك للأسف في أعوام كثيرة. ولاشك أن الأمر يتصل بالنظرة الإعلامية الي كل ما يفد من الغرب. وليس كل ما يأتي من الغرب يسر القلب. نحن نعلن الطواريء مثلاً في انتظار إعلان جائزة نوبل. ونقيم الدنيا ولا نقعدها حفاوة بالاسم الذي ظفر بالجائزة بصرف النظر عن اقتناعنا الشخصي بقيمته ونفرد الصفحات معظمها منقولة من الإعلام الغربي عن الفائز بالجائزة: طفولته ونشأته وماذا كتب وكم مرة تزوج وأين يقيم وأين يقضي إجازته.. فيض من المعلومات الجاهزة التي يوفرها لنا الإعلام الغربي. متناسين أن لنا حياتنا وثقافتنا وجوائزنا التي يجب أن نحتفي بها. من حق الغرب أن نتابع تطوره العلمي والثقافي والإبداعي. وأن نعجب بذلك كله باعتباره جزءاً من التراث الإنساني. وفي المقابل. فإنه ينبغي أن نتخلي عن الدونية في النظر إلي أنفسنا. قد تكون ظروفنا العامة مرتبكة. لكننا نمتلك إبداعاً جميلاً لا يلغي تفوقه محاولات التجاهل والتعتيم أو فرض الشروط التي يقبلها بعض فاقدي الموهبة. وهو ما يطالعنا للأسف في أعمال ينسبها أصحابها إلي فن الرواية. بينما هي تطبيق ساذج لشروط الاعتراف والترجمة وبلوغ العالمية! علي المستوي العربي. ثمة جوائز عربية لا يقتصر الفوز بها علي البلد الذي تنتسب إليه. وإنما هي تأخذ صفة القومية كما في الشارقة والشيخ زايد والعويس والبابطين وحسن فقي وغيرها. أو تأخذ صفة العالمية كما في الملك فيصل.. ولاشك أن زيادة الجوائز. سواء من دول أو من أفراد. مسألة مطلوبة باعتبار أن الجوائز تمثل حافزاً للمبدعين علي المستويين الأدبي والمادي. وكما نعلم فإن هذه الجوائز ذات قيمة مادية مرتفعة. بحيث تمثل انفراجة الباب للكاتب الذي أدركته حرفة الأدب. لكن العيب الأساسي في تلك الجوائز أن الأسماء التي تعهد إليها بتحكيم النصوص المتسابقة متكررة بصورة لافتة. أما جوائز الدولة في مصر. فإنها تتمثل في جوائز النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية. وهي أوسمة ينالها الفائزون من المبدعين والدارسين والمفكرين. بالإضافة الي الأوسمة الحقيقية التي ترافق الحصول علي الجوائز. وقد أصبحت جوائز الدولة للأسف حدثاً سخيفاً. متكرراً. في حياتنا الثقافية. بداية من اسلوب الترشيحات. وانتهاء بالمفاجآت التي قد ترافق إعلان الجوائز. ليس الاعتراض علي أشخاص المرشحين أو الفائزين. لكن الاعتراض علي اسلوب الترشيح. وطريقة اختيار الفائزين بالتالي. نحن نقدر الفائزين بجوائز الدولة في مستوياتها المختلفة. بصرف النظر عن أن بعض الجوائز ربما جاوزت من يستحقونها لدواعي المجاملة والتربيطات. لكن المشكلة التي ستظل تفرض نفسها في كل عام. هي القواعد التي يتم في اطارها اختيار الفائزين بالجوائز المختلفة. يسرب الكونترول أسماء فائزة. ثم نفاجأ في الكونترول أيضاً أن الأسماء المعلنة مجرد شائعات. واستبدلت بها أسماء أخري هي الفائزة بحق وحقيق. ويثور السؤال كلاكيت مليون مرة حول جدية تزكية نقيب الموسيقيين مثلاً لعالم اجتماع. أو تزكية نقيب السينمائيين لأحد دارسي الفلسفة.. والأمثلة تمتد لتشمل حتي كبار موظفي الوزارات والمؤسسات المختلفة. دعك من رموز الثقافة المصرية. نحن نعني هؤلاء الموظفين الذين وصلوا إلي مناصبهم بالاخلاص الوظيفي. وبقواعد الترقيات. إنهم أحياناً يقرأون الصحف. فيعرفون أن الوطن العربي يواجه هجمة شرسة اسمها الشرق الأوسط الكبير. وغيرها من المعلومات التي يلخصون معرفتهم بها بأن "ترك الملك للمالك" هو ما يجب أن يفعله المرء. وبخاصة إذا كان موظفاً كبيراً. مسئولاً! لقد بحت أصواتنا في المطالبة بتغيير لائحة الجوائز. من غير المتصور أن موظفي الوزارات. وممثلي بعض هيئاتنا الثقافة الأهلية. يملكون من المعلومات ما يتيح لهم المفاضلة بين أحقية مرشح للفوز بجائزة ما عن المرشحين الآخرين. أما الشرط بأن ترشح هيئة أو مؤسسة ما لجوائز الدولة. فإن معظم الترشيحات تذهب الي أعضاء تلك الهيئات والمؤسسات. أو من يتصلون بها لتزكيتهم. والاسلوب الأكثر موضوعية في رأيي أن ترافق ذلك الاسلوب الذي قد يخضع للمجاملة. أو لعدم المعرفة. ترشيحات من أعضاء اللجان المتخصصة. بحيث لا تقتصر الترشيحات علي من نعرفهم أو يطلبون تزكيتنا. وإنما تشمل من تطمئن اللجان الي اسهاماتهم في مجال تخصصها. المشكلة في المبدعين الحقيقيين والمفكرين الحقيقيين الذين يرفضون تزكية أنفسهم. ولا ينضمون إلا الي عضوية الابداع الجميل والثقافة في اطلاقها. هم لا يسعون إلا الي التجويد والإضافة واثراء الحياة الثقافية. ومن العيب أن يحجب عنه تقدير الدولة لمجرد أنهم ليسوا أعضاء في احدي الهيئات الثقافية. أو أنهم ليسوا في مواقع المسئولية التي تغري بالتملق. جوائز الدولة يجب أن تتولاها مؤسسة مستقلة. كما في كل الجوائز المماثلة في كل الدنيا. هي التي ترشح بواسطة عناصر مثقفة تختارها. وتتقلص الترشيحات في قوائم صغري. فأصغر. من خلال تقييمات جادة. ومناقشات ملتزمة. ماعدا ذلك فإني أتذكر بيت الفرزدق الشهير الذي بشر فيه "مربع" بطول السلامة.