لم يكن باتريك موديانو الروائي الفرنسي معروفاً خارج فرنسا لسبب وحيد وهو أن أعماله لم تترجم إلي لغات أخري خاصة إلي اللغة الإنجليزية الأوسع انتشاراً في العالم. ورغم ذلك فاز موديانو بجائزة نوبل في الأدب هذا العام. فوز باتريك يؤكد شيئاً واحداً وهو أن العمل في صمت أهم كثيراً من الضوضاء والمعارك الأدبية غير المجدية. باتريك لديه عشرون رواية. كلها في التصنيف الروائي تندرج تحت رواية المكان. الرواية الفارقة في المحلية والتي لا تنظر إلي الجوائز أو الشهرة. كل روايات باتريك العشرين تبدأ وتنتهي في باريس الخمسينيات. عناوين الحانات القديمة والمطاعم العريقة في عاصمة النور باريس.. رواياته مهدت له الطريق للفوز بجائزة نوبل. فهو يكتب ويكتب ولا وقت لديه للظهور في المحافل الثقافية أو المقاهي الباريسية التي تعج بالمثقفين وأشباه المثقفين. وعندما أعلن عن فوزه بالجائزة. حاولت الإدارة المسئولة عن الإعلان الاتصال به لإبلاغه بالخبر. إلا أنها لم تعثر عليه. القاريء العربي المهتم ربما يكون قد قرأ روايته "شارع الحوانيت المعتمة" التي قام محمد عبدالمنعم جلال بترجمتها وتم نشرها في دار الهلال بعد ما يزيد علي خمسة عشرة عاماً من صدورها في باريس. دار الهلال قامت بنشر الرواية عام 2009 وغيرها من منشورات الهلال رغم قيمتها الأدبية لم تحظ بالاهتمام الكافي لقلة منافذ توزيع وبيع الكتب الخاصة بالدار بالإضافة إلي ضعف الدعاية اللازمة لمثل هذه المطبوعات. كما أن دار الهلال تكتفي بإصدار طبعة محدودة العدد لا تجدها حتي لدي باعة الصحف. وبعيداً عن دار الهلال والمترجم محمد عبدالمنعم جلال الذي اشتهر منذ زمن بعيد بترجمة أعمال وروايات أرسين لوبين. فإن غموض شخصيات باتريك موديانو لا تقل عن شخصيات روايات لوبيني نفسه. فهي شخصيات حائرة ضائعة تبحث دوماً عن الهوية المفقودة. شخصيات باتريك موديانو القلقة شبيهة بشخصيات كاتبنا العظيم نجيب محفوظ وتغوص في أحياء باريس القديمة خاصة بعد سقوطها في ايدي النازي في الحرب العالمية الثانية. شخصيات تبحث عن الهوية في ركام الحواري والأزقة القديمة. عشرون رواية مهدت له الطريق للفوز بجائزة نوبل تدور حول المكان وجماليات المكان وكان باتريك موديانو قد حفظ عن ظهر قلب كتاب جاستون باشلار الشهير المسمي ب"جماليات المكان". المكان لا يتسع لعرض أعمال باتريك. إلا أن العبرة في أنه لم يسع لترجمة كتبه ولم يتحدث كثيراً إلي وسائل الإعلام. بل كان يعمل في صمت. فالأدب والروايات إن لم تجد الناقد المنصف الذي يسلط عليها الضوء تظل حبيسة إلي أن يأتي اليوم ليكلل الجهد المخلص بالنجاح والشهرة.