كنت كلما أسال جدتي عن أمي تقول لي: - إنها عند الملائكة. وعندما أرتمي في دهليز الدار تقول جدتي: - أقسم علي الماء حتي يجمد والنار حتي تخبو أن هذا الولد محسود وممسوس من جنيات الأرض. تأخذني في حجرها.. تأمر عيال الدار أن يحضروا الموقد والبخور الذي أهدي إليها من بلد النبي.. توقد النار. وعندما تصفو تضع البخور فيطقطق. وتستعيذ برب الفلق من شر مخلوقات الله ومن شر الحساد ونافخين العقد. تمسح رأسي وجسدي بيدها الناعمة الشاحبة. وتقص العروسة الورقية وترقيني وتخرم العروسة بالإبرة: من عين سنية وعلية وزكية. وكل من رأوني ولم يصلوا علي النبي.. تحرق العروسة وتفركها في كعبي. يقشعر بدني.. أضحك وأنا أتذكر علية وعينيها الجميلتين عندما تأخذني في دارها لأخرج النقود وأشتري الحلوي. فتغوص يدي في اللحم الطري تسبل جفنها وتتأوه فأضحك.. تضمني في عنف فأبكي وأجري منها.. ولماذا تحرق جدتي عين سنية وزكية وهما يحباني كثيرا ويأخذاني إلي البيت فتطعمني زكية بيدها الناعمة الجميلة. وتطلب من الله ولا يكثر علي الله أن يرزقها بولد يشبهني.. وسنية تطعمني وتمسح بطرف كمها الدموع:- لو مد الله في عمر ابني لكان مثلك. يخبط الهواء ضلف الشباك. فتنام العيون تحت الدفء.. يعوي الكلب الغريب بصوت متقطع في الخارج. فتلعن جدتي برد الشتاء.. يلتف العيال حول النار. ونطلب منها أن تحكي لنا حكاية الشاطر حسن وست الحسن. تمسح بيدها علي رأسي وتطلب منا أن نصلي علي النبي فنصلي ونسلم عليه.. تقول:- كان يا ما كان في سالف العصر والأوان. فتي يشبه ضوء الشمس. وبنت سبحان الخلاق المصور.. أغمض عيني. وأروح معها في الحكاية. وما فعله الشاطر حسن. وكيف خرج العفريت من المصباح وأحيا من أحيا وأمات من أماته. وأنه لولا العفريت ما تزوج الشاطر حسن من ست الحسن.. أفيق علي قولها:- وتوته توته فرغت الحدوتة.. يكون العيال ناموا فأتظاهر بالنوم.. ترصنا جدتي علي الحصير وتنام.. أتسلل. آخذ المصباح القديم. وأذهب به إلي الحجرة المظلمة. أحكه كي يخرج العفريت وأطلب منه أن يذهب بي إلي أمي. وأن يرزق سنية ولدًا يشبهني. ولزكية ولدًا تحبه وتطعمه. ثم يذهب إلي علية ويضمها حتي يعصر ضلوعها" أحكه أحكه. ولا يأتي العفريت. أقول له:- اظهر يا عفريت" ولا يظهر.. اظهر يا عفريت يا ابن الكلب.. ثم ألقي المصباح علي طول ذراعي.. تستيقظ جدتي علي صوت الضجيج. تبسمل وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. تأخذني في أحضانها وتطلب لي من الله الهداية.. أقول لها: - أريد أن يذهب بي العفريت إلي أمي.. تضعني في حجرها.. تسقط منها الدموع فوق رأسي فيبتل. تسقط دموعي في فمي.. أحس بطعم الملح.. يلفنا السكون.. يتهادي إلي سمعي العواء المتقطع للكلب الغريب.