في السياسة والاجتماع كما هو الأمر في الاقتصاد والتجارة يجب أن تتم كافة المعاملات بين الأطراف أيا كان نوعها بموجب عقود واضحة ومحددة الشروط حتي لا تضيع الحقوق وخاصة إذا كانت هذه المعاملات تتم بين شعب بأكمله كالشعب المصري الذي عاني طويلا من ضياع الحقوق وبين أفراد يرشحون أنفسهم أو جماعات تطرح نفسها لتمثيل هذا الشعب أو إدارة حاضره وربما مستقبله باعتبار المستقبل وليد الحاضر دون شك. يجب علي هذا الشعب بعد ثورة 25 يناير ألا يراهن أبداً ثانية علي حاضره ومستقبله باسناد مثل هذه المسئوليات المصيرية لأي أحد أو أي جماعة دون التأكد من شيئين ضروريين هما الأمانة والكفاءة إذ لا تغني إحداهما عن الأخري بأي حال من الأحوال فما بالك إذ وسد الأمر إلي من لا تتوافر فيه شروط هذه أو تلك لابد ان نعرف أولاً من هو هذا المرشح ومن هي تلك الجماعة المطروحة لأداء هذه المهمة الجسيمة وان تعرف ثانية كيف سيؤدي أو تؤدي هذه الأمانة أي نوعية الشخص ونوع برنامجه فإذا ما وقعنا علي المناسب لابد أن تكون العلاقة بيننا وبينه تعاقدية بحيث إذا خالف هذا التعاقد حاسبناه وعزلناه إذا لزم الأمر. وبناء عليه اعتقد انه يتعين علي جميع الأفراد والجماعات المرشحة لتمثيل هذا الشعب وقيادته أن "يتمايزوا" حتي نعرف الأبيض من الأسود والصالح من الطالح حيث لا يصلح أبداً في مثل هذه الأمور ولا في غيرها أن يلف الغموض أو حتي الاجمال والعمومية شخصيات المرشحين أو برامجهم. لا يكفي أبدا ان يقول "الإخوان المسلمين" أنتم تعرفوننا وان "الإسلام هو الحل" ولا يكفي ان يقول "السلفيون" نحن اتباع محمد "صلي الله عليه وسلم" وأصحابه وسوف نحكمكم بما كان عليه النبي والصحابة رضوان الله عليهم كما لا يكفي ان يقول "الليبراليون" نحن من يؤمن بالحرية والتعددية وسنحكمكم بالنظام النيابي الغربي أو يقول "اليساريون" نحن الأميل لعامة الشعب وسنحكم بما يحقق العدالة الاجتماعية بينما يقول القوميون نحن من نعتقد انه لا أمل في النهوض دون وحدة عربية وسنحكم علي هذا الأساس. وكل هذه العبارات الانشائية العامة لا تصلح أبدا ان تكون أساسا للاختيار خاصة ان كل هذه المقولات يندرج تحتها أطياف كثيرة من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار والعكس فالسلفيون مثلا جماعات كثيرة قد يجمعها القول باتباع ما كان عليه النبي "صلي الله عليه وسلم" وأصحابه ولكن كل حسب فهمه حتي أننا نري بعضها يقر الخروج علي الحاكم لو كان حاكما فاسدا ويصلون إلي حد تكفيره وبعضها يري ان الخروج علي الحاكم فتنة محرمة حتي لو أخذ مالك وجلد ظهرك ومنها من يري تغيير المنكر بيده ومنها من يري ان ذلك لولي الأمر وحده وهكذا أفلا يجدر والحالة هذه أن تتمايز هذه الجماعات حتي نستطيع الاختيار الصحيح. وما يقال عن هؤلاء يقال عن الآخرين بتنويعاتهم المختلفة لابد من التمايز وهو غير الاختلاف فقد أتمايز عنك ولكن لا اختلف معك نتكامل أو نتعاون أو ننسق فهذا ممكن ومباح تمايزوا يرحمكم الله حتي نعرف رؤوسنا من أرجلنا لأن مصر أرهقت من التجارب ونحن لسنا فئراناً تجري علينا هذه التجارب.