رغم ان د.رمضان بسطاويسي يقصر معظم نشاطه داخل الجامعة كأستاذ في الفلسفة فإن له آرائه التي تناقش القضايا وتجيب عن الاسئلة وتنقد ما يصدر عن المكتبة العربية والعالمية من أعمال تستحق الالتفات. * قلنا: ما رأيك في المشهد الثقافي الآن؟ ** قال: المشهد الثقافي بدأ بطرح اسئلة جوهرية حول السياسة الثقافية التي تعني اعلاء الوجدان الثقافي حيث كان هناك تجاهل لوجدان الشباب وهنا تحد صعب وكان المفروض أن تتعاون مؤسسات الدولة لتقدم منظورها للسياسة الثقافية وعلي رأسها المؤسسة الدينية وما لها من موقع في نفوس الجميع. اعتقد أننا في حاجة إلي فكر استراتيجي يتم تنفيذه علي مراحل. كانت مصر تمتلك مشروعا ثقافيا منذ بدايات القرن الماضي وكان للرواد تصوراتهم. الآن نجد ان المشهد الثقافي متخلفا بالاضافة إلي انه يجب استعادة دور المثقفين الذين تم حصارهم نتيجة حصار الابداع والفكر وعدم مشاركة المجتمع بمؤسساته المختلفة. هناك بعض التغيرات في الصحف ووسائل الإعلام وهي تغيرات مفيدة لحد ما لكنها ليست كل المطلوب. طبيعة المنتج الثقافي والوعي الإنساني الذي يتطلبه المجتمع مازال غائبا. اتحدث عن وزارة الثقافة ممثلة في هيئة قصور الثقافة التي لعبت دورا في انتاج وتخريج مثقفين من خلال الورش وهناك مؤسسات اخري داخل الدولة لابد ان تتفاعل وتتعاون مع المؤسسة الثقافية. * قلنا: هل توافق علي سياسة د.جابر عصفور الثقافية؟ ** قال: د.جابر عصفور جاء في وقت صعب للغاية والبعض فهمه خطأ فقد قطع الأقوال من سياقاتها المختلفة ثم علق عليها. الكثير من المثقفين يوافقون الرجل لأنه صاحب رؤية وليس مجرد اداة تنفيذية. دجابر عصفور رجل ضد التعصب والتطرف الفكري تماما هو إنسان استراتيجي له رؤيته الشاملة لكنهم يدفعونه إلي التحدث في قضايا جزئية. المرحلة تحتاج إلي رجل يعيد هيكلة المؤسسات الثقافية التي أصابها الوهن والتكلس ولعل هذا هو سبب الخلاف بين د.عصفور وبعض المثقفين وعموما فأنا اتوقع مواجهة د.جابر بتراث من البيروقراطية المتغلغلة في وزارة الثقافة. * قلنا: انت مهتم بالابداع وعلاقته بالوسائط التقنية الحديثة.. ماذا اضافت هذه الوسائط إلي الحياة الانسانية وإلي أي مدي يمكن الافادة منها؟ ** قال: اصبح لدينا الآن كتاب الي دي إف كمنفذ جديد للنشر لم يكن متاحا من قبل كذلك ظهرت اعمال ابداعية وفكرية لم تكن متاحة من قبل. طارت لغة الوسائط التي يتداولها الناس قريبة من الانسان العادي واعتقد ان هذا غير من نظرية الانتاج الأدبي فثمة اعمال منشورة الكترونيا يمكن الافادة منها وافادة الاديب المستقبلي الذي يأتي بعد ذلك. * قلنا: الملاحظ ان النقد يتكاسل عن رصد طوفان الابداع تحصل علي فرص الظهور بينما ظهرت اسماء أخري من خلال هيمنتها الثقافية وحضورها الخاص دون ان يلتفت إليهم أحد مثل سعد مكاوي الذي لم نعرف اهميته الا بعد موته. هناك ايضا كتاب كبار لم تتح لهم مساحة داخل وسائل الاعلام كما اتيح لغيرهم وهناك ظاهرة الكاتب والمؤرخ والكاتب السياسي والمفكر والناقد وهذا الكاتب له حضور في كل هذه المجالات فحينما يكتب يستقطب النقاد لسعة نفوذه. * قلنا: من هم النقاد الآن إذن؟ ** قال ليس لدينا نقاد الآن إلا اساتذة الجامعات وان لم يتجهوا جميعا إلي الحركة الثقافية خارج الجامعة بحيث يتابعون كل ما يكتب حياة الجامعة لا تتيح لهم ذلك. * قلنا: هل تري ان هناك كتابات جديدة فارقة؟ ** قال: توجد كتابات تعتمد علي البعد الصوفي وهو طريق سهل لدخول عالم التجربة العميقة لكن التجربة الصوفية لها كلامها ولغتها وهي لغة سوريالية تتبني نظرة متعالية علي الشر في فعلهم اليومي وهناك كتابة النسبية الجنسية وأنا اتعجب كيف يكتب الشباب تلك الكتابات الجنسية الصادمة للمجتمع وثمة النسبية السياسية وفيها يتناول الكاتب الفعل السياسي فيعطي لنفسه الحق في التعبير عن التيارات الايديولوجية الاسلامية والليبرالية واليسارية. * قلنا: ما رأيك في القول ان جيل الستينيات قال كلمته ولم يعد لديه ما يقوله؟ ** قال: فكرة الأجيال هي فكرة بيولوجية لا تفيد في مجال الثقافة.. الطريف ان معظم مبدعي الستينيات كانت اعمالهم الأخيرة محملة بالتجارب الناضجة فقد شاهدوا التحولات المختلفة هذا ما حدث - علي سبيل المثال - مع بهاء طاهر فأعماله الأخيرة اكثر نضوجا من أعماله الأولي بينما اعمال الشباب اقرب إلي الجزر المنفصلة. كل كتابة مختلفة عن سابقاتها والحق انه ليس لدينا كاتب يمتلك جرأة يحيي حقي حين اعلن اعتزاله الكتابة الابداعية وان لم يعتزل الحياة الأدبية والكتابة في الصحف. * قال ما رأيك في غياب ظاهرة الأكثر مبيعا؟ ** قال: انها مثل ظاهرة الأكثر مشاهدة. ثمة ترويج بأشكال واماكن تساعد علي الانتشار. صار لشركات التسويق طرق بارعة في نشر الكتاب. لم تصمد أمامها الاشكال البدائية لنشر الكتاب. المسألة هنا لا تعني القيمة لكنها تعني التداولية. تداول الشيء ليس دليلا علي قيمته والانتشار الأدبي لا يعني ان هذا الكتاب أو تلك الرواية ذات قيمة بل يعني انها مقبولة للاستخدام. * وغربلة الجيد من الرديء؟ ** قال: مازال النقد يمارس تسلطا علي الابداع عندما يختار الناقد ما يري انه يستحق النقد ومن ثم يظل هناك ابداع لا يحظي بمتابعة ولو علي هيئة خبر لذلك اعتبر بعضهم مجده الادبي في ان ينقد اعمالا لأدباء من الشباب حققوا انتشارا دون غيرهم. الابداع الأصيل يتواري في الظل ولا يكتب عنه الا الاكاديميون كما فعل الراحل سيد النساج. هناك اسماء كثيرة ردمت تحت اهمال النقد ولم