عندما أستمعت الي أحاديث الطيارين المصريين الذين شاركوا في حرب أكتوبر وجدت أن معظمهم فوجئ بطائرات تحارب بجانب إسرائيل ضد مصر وتحمل علم جنوب أفريقيا وكان يشغلني جدا سؤال: لماذا تدعم جنوب افريقيا إسرائيل إلي حد أن تشاركها في الحرب ضد مصر. وبهذا الشكل المعلن؟.. وأخيراً وجدت الإجابة الشافية في كتاب "اليهود في جنوب افريقيا" للباحثة الزميلة نجلاء عبدالجواد والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. تؤكد الدراسة أن أصول الجماعة اليهودية في جنوب أفريقيا ترجع إلي النشاطات الاستيطانية الغربية الأولي. فقد كان الأثرياء اليهود في هولندا من المساهمين في انشاء"شركة الهندالشرقية الهولندية" التي أسست الاستيطان الأبيض في جنوب أفريقيا عام 1652 حيث تظهر أسماء يهودية في سجلات المستوطنين مثل صامويل جاكيسون وديفيد هيبرون وإبراهام كوهين وجاكوب إفرايم. وتم توطين معظم المهاجرين من هولندا إلي جنوب أفريقيا في مستعمرة الكاب ونظرا لقلة النساء الهولنديات في المراحل الأولي من الاستيطان تزوج الهولنديون من السود "الهتنتوت" وهذا أدي إلي اختلاط عرقي وظهور جماعة مختلطة تعرف الآن بالملونين. وفي عام 1961 عندما استقلت جنوب افريقيا عن الاحتلال البريطاني كان عدد اليهود قد بلغ 118 ألفا و200 شخص ينتمي معظمهم إلي يهود شرق أوروبا وبالأخص ليتوانيا استطاعوا السيطرة علي اقتصاد جنوب افريقيا. في عام 1917 كان لرئيس وزراء اتحاد جنوب افريقيا الجنرال جان كريستيان سمطس دور مهم في وعد بلفور باقامة وطن قومي لليهود علي أرض فلسطين حيث ان الأطراف المؤسسة لاتحاد جنوب افريقيا هي نفسها الأطراف المؤسسة لوعد بلفور وهم: لويد جورج واللورد بلفور واللورد ميلنر. وقد ارتبط اسم اللورد سمطس بزعماء صهيونيين في جنوب أفريقيا ولولا مساعدته لحاييم وايزمان أول رئيس لدولة اسرائيل لما صدر وعد بلفور. وبعد انسحاب بريطانيا من فلسطين في 15 مايو عام 1948 واعلان قيام دولة اسرائيل رسميا توالت الاعترافات بها من مختلف الدول الا ان بريطانيا التزمت الصمت مما جعل وايزمان يرسل برقية إلي سمطس يحثه فيها علي الاعتراف السريع بدولة اسرائيل فما كان من سمطس الا أن أرسل في 24 مايو 1948 برقية إلي موشي شاريت وزير خارجية إسرائيل قال فيها: "ان حكومة اتحاد جنوب افريقيا برئاسة الجنرال جان كريستيان سمطس تعترف رسميا بدولة إسرائيل الجديدة". وفي عام 1948 تطوع المئات من يهود جنوب افريقيا للذهاب إلي إسرائيل والقتال بجانبها. وطبقا لمعلومات الجهات الرسمية الإسرائيلية آنذاك فإن اتحاد جنوب افريقيا أسهم كثيرا في المجهود الحربي الاسرائيلي أكثر من أي بلد في العالم وأن أول طيار قتل في الحرب من القوات الجوية الاسرائيلية كان متطوعا من اتحاد جنوب افريقيا هو "سد كوهين" الذي كان قائدا لسرب الطائرات في الصحراء الغربية ويعتبر سد كوهين من أوائل الذين أسهموا في تكوين القوات الجوية الاسرائيلية. أما أثناء العدوان الثلاثي علي مصر وأزمة قناة السويس عام 1956 فقد امتنع اتحاد جنوب افريقيا عن ادانة العدوان الثلاثي بشكل لافت للنظر وطوال فترة العدوان الثلاثي اتخذت صحافة اتحاد جنوب أفريقيا بواسطة اليهود الذين يسيطرون عليها موقفا مؤيدا لكل من اسرائيل وفرنسا وبريطانيا. ومعارضا وغير مهذب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والدول العربية والاتحاد السوفيتي. وفي الختام توصي الدراسة المستفيضة في هذا الكتاب بزيادة اهتمام مصر بدورها الأفريقي وخاصة في جنوب افريقيا التي أصبحت منافسا قويا لمصر في الفترة الحالية مع تنامي دورها القوي المؤيد لاسرائيل ونشاطها في القرن الافريقي. الكتاب وجبة ثقافية دسمة أتمني أن يقرأه كل مواطن مصري وعربي.