أعلنت الدولة البدء باستصلاح مليون فدان كمرحلة أولي في برنامج يتضمن إضافة 4 ملايين فدان للرقعة الزراعية التي تتآكل بفعل عوامل كثيرة في مقدمتها كثرة التعدي بالبناء علي أراضي الدلتا القديمة.. وهجرة الفلاح للأرض نتيجة ارتفاع مستلزمات الإنتاج وندرة الأيدي العاملة. الفلاح الآن يهجر أرضه.. ولم تعد الأرض "كالعرض" لا يجوز بيعها أو التخلي عنها.. فإذا أضفنا إلي ذلك الزيادة السكانية المضطردة والأفواه التي تبحث عن الغذاء وطوابير البطالة التي تعاني منها. أقول إذا نظرنا إلي كل ذلك وإلي أن كليات الزراعة ومنذ سنوات تبحث عن طلاب يتقدمون إليها حتي المرحلة الثالثة من التنسيق فلا يجدون.. وكانت قبل ذلك من كليات القمة!! وأن مدارس الزراعة المتوسطة أصبحت بفعل فاعل وسط الكتلة السكنية في أنحاء الجمهورية بلا ظهير من الأرض يعمل فيها الطلاب ليتعلموا أصول هذه الحرفة التي تحتاج إلي عمالة ماهرة ومدربة يمكن أن تحل مشاكل عديدة في المجتمع.. حتي بات الخريج في هذه المدارس والكليات لا يعرف الفرق بين عود الذرة وعود القصب علي سبيل المثال لأن الدراسة نظرية وفقط!! لتبين لنا ضرورة أن نبحث عن حلول عملية تجذب جمهوراً جديداً لهذه المهنة التي أوشكت علي الانقراض في الريف الذي تحول من الإنتاج إلي الاستهلاك مثل المدينة تماماً!!.. يأكل العيش من "الطابونة" والجبن المستورد والسمن الصناعي.. إلخ من المواد الغذائية بدلاً من الصناعات الريفية التي كانت تشتهر بها القري لتوفر احتياجات السكان بالريف والمدينة علي حد سواء!! من هنا أقول.. لماذا لا تعود تجربة الستينات بتوزيع الأرض علي خريجي الزراعة فهم الأقدر علي الاستفادة بها ورعايتها.. بشرط أن يسبق ذلك إعدادهم لهذه المهمة وصقل خبراتهم بالتجربة العملية في الاستصلاح والتعامل مع الأرض الجديدة التي تتجه الدولة إلي استصلاحها لسد الفجوة الغذائية وتقليل الاعتماد علي الاستيراد. مثلاً ما المانع أن يتم إقامة مدارس وكليات الزراعة في أماكن الاستصلاح علي طريقة معسكرات العمل بعيداً عن النظام التقليدي.. وأن يتولي الطلاب الدراسة علي أرض الواقع من خلال العمل بأيديهم في هذه الأرض لكي يعرفوا ويتعلموا كل الأسرار.. ويتم تدريبهم علي الأساليب الحديثة في الزراعة والري والتعامل مع محاصيل جديدة تناسب هذه الأراضي أكثر من منطقة الدلتا القديمة؟! بعدها يتم توزيع هذه الأرض أو جزء منها عليهم بعد أن يقطعوا شوطاً في عملية الاستصلاح وبالتالي يمكن تقدير حجم الإنتاج والقيمة التي يمكن تحصيلها من هذا الخريج مقابل تملكه قطعة أرض.. وبالطبع يراعي في هذه القيمة أن تترك ما يستطيع أن يعيش منه ويبني حياة وأسرة. الطالب الذي بذل الجهد والعرق في الاستصلاح والذي خبر الأسرار وتعود علي هذه الحياة.. لن يتخلي عن هذه الثروة الجديدة التي هبطت عليه بالجهد والعرق وسيفعل المستحيل لتنمية الأرض وزيادة الإيراد من خلال صناعات ريفية في منزله مثل تربية النحل والدواجن وتسمين العجول وصناعة الألبان.. إلخ. أتمني أن نفكر في هذا الاتجاه انطلاقاً من المنهج الذي أعلنه وزير التربية والتعليم مؤخراً بالاتجاه إلي ربط التعليم الفني بالصناعة وتدريب الطلاب علي خطوط إنتاج داخلية بالمدارس.. فلماذا لا نخوض نفس التجربة في المدارس المتوسطة وكليات الزراعة.. ونعتبر هذا الأمر مشروعاً قومياً لبناء أجيال المستقبل.. حيث يوفر كما قلت الأيدي العاملة الماهرة ويساهم في عملية الاستصلاح بشكل عملي وواقعي.. وفي الوقت نفسة يساعد علي حل مشكلة البطالة بين الخريجين من الشباب فضلاً عن جذب الانتباه لهذا المجال والمهنة التي أصبحت علي شفا الانقراض؟! يا رب تخرج الفكرة إلي التنفيذ.. ولا مانع من ضوابط لمنع التلاعب أو تفتيت الرقعة الزراعية مستقبلاً.