سوف تظل مسيرة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد زاخرة بالعطاء. تتقدم الصفوف برجاحة عقلها وحكمتها وشجاعتها الرصينة في الوقوف بجوار الرسول. مما يؤكد انها تتقدم الصفوف في قوة ثباتها. الإيمان يتلألأ نوراً في صدرها. وقد كانت مواقفها بجوار الرسول مثار حديث أهل العلم والفكر. ومن هذه البطولات لأم المؤمنين ان الرسول في بداية الوحي يرتجف فؤاده. لكنها كانت دائما تخفف عنه وتؤكد ان الذي يأتيه هو الوحي وليس بشيطان أو أي شيء آخر. وتصدقه في كل ما يقول وتهون عليه حين يكذبه أهل الشرك. وقد أرادت أم المؤمنين السيدة خديجة أن تؤكد للرسول ان الذي يأتيه هو الوحي من عند الله وذلك حين قالت له: يا ابن العم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. فبينما الرسول عندها إذ جاءه جبريل. فقال الرسول صلي الله عليه وسلم: هذا جبريل قد جاءني. فقالت: أتراه الآن؟ قال: نعم. قالت: اجلس علي شقي الأيسر. فجلس. فقالت: هل تراه الآن؟ قال: نعم. قالت: فاجلس علي شقي الأيمن. فجلس فقالت: هل تراه الآن؟ قال: نعم. قالت: فتحول في حجري فاجلس في حجري. فتحول فجلس. فقالت: هل تراه الآن. قال: نعم. ثم تحسرت أي جلست مكشوفة الرأس وألقت خمارها. فقالت: هل تراه الآن؟ قال: لا. قالت: ما هذا شيطان. ان هذا الملك يا ابن العم. اثبت وابشر ثم أمنت به وشهدت ان الذي جاء به هو الحق. اختبار يؤكد ذكاء أم المؤمنين ومدي حصافتها ووقوفها بجوار الرسول لتضع يده علي الحقيقة بتلك الطريقة التي ابتكرتها لكي تتضح أمامه الصورة بلا رتوش علي أرض الواقع. حقيقة أكد الرسول ان خديجة لها مكانة خاصة في قلب سيد الخلق صلي الله عليه وسلم ويكفيها فخراً وشرفاً ان يقول الرسول: صدقتني حين كذبني الناس. شهادة توج بها الرسول صلي الله عليه وسلم مسيرة أم المؤمنين خديجة. تلك مسيرة خالدة. سعي دائم واخلاص وطهارة وتعامل بأفضل الأساليب. انها نموذج وقدوة لبنات حواء علي مدي الأجيال. فها هي عائشة رضي الله عنها تقول: ما غرت علي أحد من أزواج النبي صلي الله عليه وسلم ما غرت علي خديجة. وما بي أن أكون أدركتها وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم لها. وعندما يتم ذبح شاة فيقدم لصديقات خديجة حيث يهديها لهن. وتقول: ان الرسول كان لا يكاد يخرج من البيت حتي يذكر خديجة. فيحسن الثناء عليها. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة. فقلت: هل كانت إلا عجوزاً. فقد أبدلك الله خيراً منها. فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي اهتز مقدم شعره من الغضب. ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها. آمنت إذا كفر الناس. وصدقتني وكذبني الناس. وواستني في مالها إذ حرمني الناس. ورزقني منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء. قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبداً. تلك مكانة خديجة المؤمنة الصابرة انها في مقدمة أهل الإيمان. ومما يضاف إلي رصيد أم المؤمنين رضي الله عنها ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: خير نساء العالمين مريم بنت عمران وآسيه بنت مزاحم. وخديجة بنت خويلد. وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه وسلم. وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب. لا صخب فيه ولا نصب. رحمها الله رحمة واسعة وأجزل لها العطاء.