ولي أبو العباس شئون الطريقة الشاذلية. بعد أن استخلفه لذلك أستاذه أبو الحسن الشاذلي قال لأصحابه: إذا أنا مت. فعليكم بأبي لعباس المرسي. فإنه الخليفة من بعدي. وسيكون له مقام عظيم بينكم. وهو باب من أبواب الله تعالي. في سنة اثنتين وأربعين وستمائة. أضاءت الإسكندرية بمقدم سيدي العارف بالله سيدي المرسي أبو العباس. بداية لإقامة متصلة. بلغت ثلاثاً وأربعين سنة. تحدث. شرح. علم. أفاض في التفسير. وفي الفقه. وإعانة الناس علي أمور دينهم ودنياهم. سكن داراً قبلة كوم الدكة. وكان يلقي دروسه علي مريديه بمسجد العطارين. وكان يسمي الجامع الغربي. ولم يبدأ بإلقاء دروسه إلا عندما بلغ الأربعين وسمع له شيخه بذلك. بث علوم الشاذلي. نشر أنوارها. أبان عن أسرارها وغوامضها. بصر أصحابه وتلامذته ومريديه بالمقال والفعال. وانتشر في البلاد صحابه. وأصحاب أصحابه. وظهرت علوم الشيخ في كل مكان. قال أبو العباس: كنت في ابتداء أمري بالإسكندرية فجئت إلي بعض من يعرفني. فاشتريت منه حاجة بنصف درهم. فقلت في نفسي: لعله لا يأخذه مني.. فهتف بي هاتف: السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين. يصفه علماء عصره بأنه "كان نافذ الفراسة. سريع الخاطر. حسن السمت. نظيف الثياب. كث اللحية. جميل المنظر. كثير الوقار. يأسر سامعيه في كلامه عن التفسير والحديث والفقه والأصول. والتعليق علي أقوال بعض الصالحين. لم يكن التصوف عند أبو العباس تبطلاً. ولا تعطلاً. ولا تركاً لسعي أو الأسباب. ولم يكن يحب المزيد الذي بلا سبب كان يقتني الخيل. ويربيها. ويعرضها للبيع وقدوته في ذلك أستاذه أبو الحسن الشاذلي. كان من كبار المزارعين. وكان يقول: لكل ولي حجاب. وحجابي الأسباب. التصرف توفيق بين العقل والقلب. جمع بين الشريعة والحقيقة. سئل أبو العباس في قول بعضهم: لا يكون الصوفي صوفياً حتي لا يكتب عليه صاحب الشمال عشرين سنة. فقال: ليس معني ذلك ألا يقع منه زنب عشرين سنة. وإنما معناه عدم الإصرار. وكلما أذنب تاب واستغفر علي الفور. وكان يكرم الناس علي نحو رتبتهم عند الله. وربما دخل عليه عابد فلا يأبه له. وربما دخل عليه عاصي فيحتفي به. لأن العابد جاء وهو متكبر بعلمه. ناظر لفعله. أما العاصي فقد دخل بكسر معصيته وذله ومخالفته. وكان لا يثني علي مريد. ولا يرفع له علماً بين إخوانه كي لا يحسد. وقيل: ما علي وجه الأرض مجلس في الفقه. أبهي علي وجه الأرض مجلس في علم الحديث. أبهي من مجلس الشيخ زكي الدين عبدالعظيم المنذري. وما علي وجه الأرض مجلس في علم الحقائق. أبهي من مجلس أبو العباس المرسي. أنكر ابن عطاء الله السكندري في مقتبل شبابه علي التصوف ورجاله ذهب إلي أبو العباس المرسي لينظر ماذا يقول وحده يتكلم في الأنفاس. ودرجات السالكين إلي الله. ومدي معرفتهم به سبحانه وقربهم وتقربهم إليه. فمازال يتحدث ويتحدث عن الإسلام والإيمان والإحسان. ومقامات الشريعة والحقيقة والتحقق. قال ابن عطاء الله: إلي أن بهر عقلي وسلب لبي. فعلمت أن الرجل يغترف من فيض بحر إلهي ومدد فأذهب الله ما كان عندي من إنكار واعتراض. لزم ابن عطاء الله فيما بعد أبا العباس. وصار من مريديه.