هذا الرجل يعرف جيداً كيف الطريق إلي حلمه الكبير. المد الثوري بداخله يحفظ له جينات الوطنية التي يعرفها أرضاً حرة. وعرضاً مُصاناً. ودماً يستحق الشهادة. السياسي الناصري الذي يعرف الناس فيه أنه يشيع بداخل من يراه مشاعر العزة وأحاسيس الكرامة الخالصة. والحرص علي سيادة هذا الوطن العريق. والفلاح الذي يختفي وراء ابتسامته الدبلوماسية وبذلته وقلمه وأيديولوجياته. يدرك أن الأرض قد نهبها الأوباش وقُطاع الطريق علي مدي عقود مضت وقد حان الوقت لحمل الفأس أو سيف المحارب لاستردادها وردها إلي أصحابها الشرعيين وحمايتها من البوار والتجريف.. هذا حوار مع "حمدين صباحي" المرشح المحتمل لرئاسة جمهورية مصر العربية. تحدث فيه من قلبه وسط رفاق درب طويل في بلاط صاحبة الجلالة. حيث استضاف جمال أبوبيه رئيس تحرير "المساء" جلسة الحوار وشارك فيه الأساتذة الكبار: مختار عبدالعال ومحمد غزلان ومحمود عبدالكريم.. الأمر الذي حوله إلي واحدة من جلسات "المساء" الثورية السياسية. وكان من المهم أن نحمل للقارئ العزيز ما حلق فوقها من أمنيات خالصة لوطن جديد يحصد أبناؤه الشرفاء ثمار ثورته العظيمة. ويكلل جهود شعبه الصابر المكافح كريم العنصرين.. تحدث حمدين عن نفسه وعن حلمه لمصر وأسهب في شرح مشروعات كبيرة وعظيمة يتمني أن تواتيه الفرصة لإنجازها علي هذه الأرض المباركة إذا ما تم اختياره رئيساً لمصر. غير أن كاتب هذه السطور أراد أن يقرب المسافات مع ضيف الحوار فكان سؤاله الأول: * حمدين صباحي.. ابن مين في مصر؟!.. واعتبرتها مغامرة صحفية شابة أدركها حمدين بحسه الصحفي. وابتسم ثم أجاب: إنه ابن الحاج عبدالعاطي صباحي.. الفلاح البسيط الذي ربي أولاده بشرفه وعرقه وخير أرضه. وأن أصوله تعود إلي شمال محافظة كفرالشيخ. وبالتحديد إلي "بلطيم".. أضاف أن لديه ولداً وبنتاً.. محمد. وهو مخرج سينمائي شاب.. وسلمي. مذيعة برنامج شبابيك علي قناة "دريم".. * تحولت دفة الحوار إلي طريق الرئاسة المصرية حين سألناه عن السبب وراء قرار الترشح.. فقال إنه اتخذ القرار قبل عامين بعد سنوات من مشاركته في تكوين حركة كفاية الشهيرة. والتي كانت السد المانع الأول للتمديد والتوريث في عهد مبارك البائد. ثم قام بإنشاء حزب الكرامة. وبدأ في الترشح فعلياً لرئاسة الجمهورية تحت لواء التغيير إنقاذ مصر من أخطبوط الفساد الذي كان ينهش في لحمها وكان السبب وراء اندلاع شرارة ثورة 25 يناير.. إلي بقية الحوار... * ما تصوركم لما يحدث في مصر حالياً بعد ثورة يناير؟! ** أري أن الثورة المصرية مستقرة. ولن ينال منها أحد.. فهي إرادة شعبية لا يستطيع أي من كان أن ينتكس بها. ما نستطيع فعله الآن للقضاء علي حالة العشوائية والفوضي الحاصلة هو وضع حلول جذرية للبلطجة وإحكام سيطرة الأمن علي البلاد.. وهذا ما سيحدث حين تعود الداخلية وجهاز الشرطة إلي الشارع بشكل حقيقي. ثم لابد من دفع عجلة الاقتصاد المصري وحل كل المطالب الفئوية عن طريق لجنة عمالية مخلصة تتولي تسكين هذه الانفجارات من أجل استمرار العمل واقترح لها بعض القيادات العمالية المعروفة مثل كمال أبوعيطة. الخطوة الأهم هي المحاكمات السريعة العادلة للمتهمين في قضايا فساد عصر مبارك. وهنا لابد من تطبيق العدالة الناجزة. بمعني "لا انتقام ولا إفلات من العقوبة".. حيث إن القيمة الحقيقية للثورة هي العدالة وقد أصدر الشعب حكمه بالإعدام علي الشخوص الفاسدين. وينبغي الآن أن يقول القضاء كلمته من أجل تهدئة الرأي العام ولا يصح أبداً أن يشاع أن هؤلاء المتهمين قد يفلتون من العقاب مقابل دفع الأموال التي حصلوا عليها فلا يجوز أبداً رشوة العدالة المصرية حتي بالمليارات. فما بالك أن هذه الأموال حرام!! حلم المستقبل * من أين ينطلق حلمك لمصر في المستقبل القريب؟! ** حلمي ينطلق من دائرة الأمل والتفاؤل لمستقبل هذا البلد العظيم. فنحن مؤهلون بكل مواردنا الطبيعية والبشرية لتخطي حاجز الفقر اللعين والوصول إلي مصاف الدول المتقدمة. بل في مكانة الدول العظمي دون أي مبالغة.. وهنا أستشهد بتجربة دولة مثل البرازيل كانت في ذيل قائمة الدول الفقيرة في العالم. لكنها استطاعت تجاوز ذلك في أقل من ثماني سنوات هي مدة حكم رئيسها الوطني جداً "لولا داسيلفا". أعتقد أن مصر مؤهلة إلي نقلة تاريخية من هذا النوع. خاصة مع الزخم الثوري الناهض الذي حملته إلي شبابنا ورجالنا. وكل طوائف الشعب.. ثورة يناير.. ولابد أن نستغل هذا الحماس ونطلق العنان للطاقات المصرية الجبارة علي طريق النهضة. * ما هي الخلفية السياسية التي يمكن رد مشروعكم الرئاسي إليها؟! ** يعلم الجميع أنني ناصري الأيديولوجية. وهنا أضيف أنني واحد من الجيل الذي انتقل بالناصرية من الغرف المغلقة إلي الشارع المصري. لكنني أقول إن أي رئيس مصري وطني قادم لابد أن يعي من تاريخنا الحديث تجربتين بالغتي الدلالة وهما: تجربة محمد علي.. وجمال عبدالناصر.. فكلاهما كان لديه مشروع وطني عظيم لهذا البلد. وكلاهما استفاد من ظروف عصره جيداً ووعي إلي ضرورة الامتداد الاستراتيجي عربياً وأفريقياً. بل ودولياً. وكلتا التجربتين تم التآمر من أجل القضاء عليهما. من هنا تنطلق أفكاري للمشروع الوطني.. وغير صحيح أنني سأطبق أيديولوجياتي الناصرية بغير وعي لما يقتضيه العصر الحديث. فأنا أتمني بناء رأسمالية مصرية وطنية جديدة علي غرار تجربة العظيم طلعت حرب وهي رأسمالية تبني وتخدم الاقتصاد الوطني وتنافس بإنتاجها في كل أسواق العالم وتحميها آلية خاصة جداً.. أنا أفخر بناصريتي وانتمائي لحزب الكرامة. لكنني مرشح شعبي ولست مرشحاً لحزب أو لأيديولوجية. * ما الخطوط العريضة لبرنامجك الانتخابي القادم؟! ** يرتكز برنامجي الرئاسي بشكل عام علي ثلاثة محاور رئيسية هي: أولاً: الحرية والديمقراطية تعطي لكل مصري نصيب عادل ومتساو في سلطة وطنه. وتنطلق من إيماني بأن هذا الشعب الذي أرسي قيم الحرية والمساواة والعدل والديمقراطية علي الأرض يستحق أن يعيش حياة كريمة يحفظها القانون الذي لا يميز بين أحد لأي انتماء سياسي أو عرقي أو طبقي. ثانياً: عدالة اجتماعية تعطي لكل مصري نصيبه العادل في ثروة الوطن وتمنحه الكرامة وتحميه من الجوع والفقر والاستبداد.. وهنا لابد من التصدي لعدد من القضايا المهمة والمحورية مثل قضية التعليم والإنفاق بسخاء علي البحث العلمي وتشجيعه للاستفادة من المهارات والقدرات الإنتاجية لسواعد المصريين وعقولهم التي يشهد لها العالم بالتفوق والإبداع. ثالثاً: الاستقلال الوطني يعطي لمصر حقها الطبيعي في قيادة أمتها العربية وريادة قارتها الأفريقية التي لابد أن نعي تماماً قيمتها وقوتنا بها. وقوتها بنا.. ثم العمق الإسلامي.. ويحدث بتحالف استراتيجي مع القوتين الإسلاميتين تركيا وإيران.. وكفي بنا دخول حروب بالوكالة مع هاتين القوتين لحساب أمريكا وغيرها من الدول. ثم نتعامل مع أوروبا وأمريكا وباقي دول العالم علاقة ودية لكنها ندية أو تنافسية. معاهدة السلام * هل ستعيد النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل حال اختياركم رئيساً لمصر؟! ** كثير من المرشحين يرددون هذا الكلام. لكنني لا أميل إلي ذلك ولن أجازف بجر مصر إلي حرب مع عدو لا يستحق في مثل هذه الظروف التي لابد أن نعمل جميعاً من أجل تخطيها. لكنني أري أن اتفاقية السلام يمكن بقاؤها دون أن تكون مصر تابعاً استراتيجياً لإسرائيل وأمريكا. كما فعل فينا النظام السابق. بمعني أن الاتفاقية مثلاً لا تنص بنودها علي تصدير الغاز لتل أبيب برخص الثمن. وهناك حكم قضائي واجب التنفيذ بوقف هذا العقد فوراً.. وهنا نستطيع تزويد البيوت المصرية كلها بهذا الغاز والقضاء علي أزمات الأنابيب الممل. مصر قادرة علي التحرر ودعم السيادة الوطنية علي أرضها سيتم باستقلالها التام. فقد أنجزت الثورة المصرية وجهها الأول وهو إسقاط النظام الذي ثبت للجميع فشله وفساده. ويبقي أن تحقق وجهها الثاني وهو بناء نظام جديد وطني وقوي.. أري أنه قادر علي ردع أي عدو عن مجرد التفكير في الوقوف أمامنا. مشروعات كبري * ما المشروعات الكبري التي تنوي تنفيذها حال فوزكم بالرئاسة؟! ** هناك عدد من المشروعات التي أقوم فعلياً بدراستها مع مجموعة من الخبراء ومنها مشروع الطاقة الشمسية. فنحن لدينا كم هائل من الطاقة الشمسية في صحرائنا الشاسعة يمكن الاستفادة منها وتصديرها إلي أوروبا في حالة استغلالها الاستغلال الأمثل لأنها مصدر نظيف وآمن وموفر ومتاح.. هذا إلي جانب دعم المشروعات القومية التي تم إجهاضها وإعادة الحياة إليها. وهنا أضرب مثالاً: صناعة النسيج المصري الذي كان العالم يحتفي بإنتاجه ووصل به الحال إلي أن نصف مصانعه أو يزيد قد تم إغلاقها في عهد مبارك. نفس الحال بالنسبة للفلاح المصري الذي حاصرته المشاكل وقضي الفساد علي طموحه وأحلامه ولابد أن نعيد إليه ثقته في نفسه وحبه الرائع لأرضه من خلال إعادة العمل بنظام الدورة الزراعية وبالتعاونيات الزراعية التي يقوم علي إدارتها الفلاحون أنفسهم وتوفير كل ما يحتاج. وخاصة مبيدات نقية وغير مسرطنة. إنني أنطلق في هذه الرؤية من إيماني بثلاثي الموارد المصرية العظيم وقصد به: البشر والأرض والأموال المكدسة في خزانة البنك المركزي دون استغلال حقيقي.. وفي حالة توظيف هذه الأموال وفق خطة وطنية جادة للتنمية.. فأنا أضمن انتقال مصر إلي مصاف دول العالم الكبري خلال 8 سنوات فقط.. بالنسبة للمشروعات الكبري التي يثار حولها الحديث حالياً مثل ممر التنمية.. فأنا أري تشكيل لجنة حكماء يكون لديها كل إمكانيات القرار لتبت الرأي في هذه المشروعات.. وفي حالة الموافقة يتم بدء العمل فوراً بها. * ما شكل الحكومة التي تحلم بأن تقود مصر في القريب؟! ** أحلم بحكومة وطنية سياسية وليست تكنوقراطية. كما كان يحدث.. تشمل كل الأطياف السياسية والفكرية. وهي حكومة تعي وتقدر دورها الحيوي في هذا المنعطف التاريخي وتقود دفة هذا الوطن إلي بر السلامة. استطلاع رأي * قمت باستطلاع رأي بين عشرة أشخاص من المحيطين بكم علي ترشيحكم لرئاسة مصر وكانت النتيجة هي: "3 موافقين. 3 لا يعرفون شخصكم معرفة كافية.. وأربعة سيعطون أصواتهم لمرشحين آخرين".. ماذا تقول لكل فئة من الثلاث؟! ** أقول لمن يوافقون علي شخصي رئيساً لمصر: شكراً علي ثقتكم التي أعتبرها وساماً علي صدري. وأتمني أن أكون عند حسن ظنكم بي.. وأقول لمن لا يعرفني: إن هذا تقصير مني قبل أن يكون تقصيراً منكم. لكنني أعدكم بمحاولة تعريفكم بنفسي من خلال حملتي الانتخابية التي أرجو أن يسعفني الحظ وأصل بها إلي كل مصري في مكانه.. أما من استقروا علي مرشحين آخرين فأنا أحترم رأيهم ومازال لدي الأمل حتي لحظة الانتخاب أن أستطيع إقناعهم بي.