الإسكندرية تعامل ككفر من الكفور. من وجهة نظر الدكتور محمد زكريا عناني أحد شيوخ الفكر والإبداع في الثغر. وفي مصر بصفة عامة.. لكن ما يراه المثقفون والمهتمون بالإبداع أن الإسكندرية عاصمة حقيقية للعقل المصري. ومطبخ ثري ومتجدد لسائر فنون الإبداع. خاصة الإبداع الجماعي أي المسرح والسينما.. فالحاضنة الكبري والأساسية لهذين الفنين طوال ما يقرب من مائتي عام هي الإسكندرية. لانفتاحها علي الغرب: من خلال أوروبا. وعلي الشرق من خلال بلاد الشام. وفي الإسكندرية كما أشار الأدباء المشاركون في ندوة نقدية لمناقشة مسرحية "ابن الوز طيار" لمحمد نظمي ولد تقريباً المسرح المصري بما يعنيه من توافر الكاتب والمخرج والمغني والملحن وفنان الديكور والملابس. وبما يعني كذلك من توافر بيئة التلقي لهذا الفن. فالمواطن السكندري مثقف ويملك من الوعي ما يدفعه إلي استقبال هذا الفن الحديث في الثقافة العربية استقبالاً حسناً. ويستطيع التواصل معه بحميمية وتشجيع. كما احتضن كذلك فنون الزجل وشعر العامية فقدم لنا رموزاً كبري كعبدالله النيم وغيره.. كما ظلت الإسكندرية تقدم المبدع الشامل زجالاً وشاعراً وروائياً وقاصاً ومسرحياً.. ويعد "محمد نظمي" صاحب هذه المسرحية نموذجاً لهذا الشمول. بل تتداخل هذه الفنون وتتراسل في عمله هذا الذي أصدره باللغة الفصحي السهلة كما تشير جيهان سلام في رؤيتها لهذا العمل ومع هذا التحدي أي كتابة المسرح بالفصحي في زمن انصراف الجمهور عن هذا الفن. ينجح الكاتب في اجتذاب قاريء نصه المسرحي بآليات كثيرة. منها اللغة نفسها. حينما يضع هذه اللغة الفصحي علي لسان القهوجي والصياد وسائر أبناء الطبقة الوسطي كما تشير جيهان من المنتين للحارة الشعبية في الإسكندرية. وتجربة نظمي الثرية بين الشعر والزجل والقصة والرواية أثرت جميعاً كما يقول أحمد مبارك في إثراء هذا النص المسرحي. الذي يعد بمثابة زواج بين الشعر والمسرح.. مع لمسات من السخرية والقفشة والنكتة التي يتحلي بها المواطن السكندري خاصة في الحارة الشعبية.. فالعمل هذا بالإضافة لقيمته الفنية. يعد تاريخاً طبيعياً للمجتمع بكل فئاته ومستوياته كما يؤكد د.محمد زكريا عناني. وعلينا أن نتعامل معه كنص أدبي بروح الحوار وحميمية التلقي. لا نتربص به وبكاتبه!! والعمل الذي يرصد تجربة الكفاح الوطني منذ ما قبل ثورة 23 يوليو. عبر الأعمال الفدائية ضد المحتل الإنجليزي. يؤرخ كذلك لحرب الاستنزاف والصمود فيها حتي النصر العظيم في أكتوبر ...1973 ومثلما سعي بعض الحكام المستبدين في مصر وسوريا وليبيا واليمن لتوريث الحكم والسلطة لأبنائهم. بعد أن خربوا بلادهم هذه بأيديهم. يتوقف الكاتب عند نمط آخر حميد من التوريث. وهو توريث الكفاح من أجل مصر.. فسعد بطل المسرحية كان فدائياً قام بأعمال بطولية ضد الاحتلال الإنجليزي وفجر بعض معسكرات الإنجليز. في الإسكندرية. يورِّث هذا الكفاح لابنه الطيار الذي يقوم بأعمال بطولية ضد الصهاينة في حرب الاستنزاف وفي أكتوبر حتي يستشهد. ويري محمد الفخراني أن هذا النص الأدبي لا يكتبه المبدع للنقاد ولا للخاصة ولا لدارسي الأدب والتاريخ. بل يتوجه به مباشرة إلي خشبة المسرح والمتلقي العادي الذي لم يعد يحتمل قراءة نص مسرحي ذهني كالذي كان يكتبه الحكيم وكبار كتاب المسرح الرواد لدينا.. وقد توقف عاطف الحداد عند الأداء اللغوي للمسرحية مؤكداً أنه يقصد هذا المستوي اللغوي الذي يمزح بين الفصحي والعامية. إثارة للدهشة.. كما يستدعي الروح العظيم التي افتقدناها بعد حرب أكتوبر من إيثار وتكاتف وتعاطف بين الشعب. وتذكر عزة رشاد أن هذا العمل رغم تماسه مع فن الرواية فإنه مختلف فنياً.. فقد ارتكز علي اللغة الثالثة بين العامية والفصحي. وذلك استجلاباً للكوميديا.. والبساطة ليست في اللغة فقط. بل كذلك في الديكور كما يشير محمد ياسين الفيل. مع نهايات قوية ومؤثرة للمناظر والمشاهد.. وهو يسقط أحداث عمله علي الواقع. طبقاً لما يؤكده رشاد بلال. فرغم الزمن الماضي الذي تعالجه الأحداث فهو حاضر كذلك في واقع المجتمع المصري. بل واستحضار للسمات العظيمة فيه كما تقول مني عمر.. وهذا يؤدي إلي موقف نقدي إيجابي من النص المسرحي هذا كعمل أدبي كما يقول محمود عبدالصمد ود.محمد شحاتة وخديجة غنيمة. مع المتحدثين في الندوة: د.محمد زكريا عناني وأحمد مبارك ومحمد الفخراني وجيهان سلام وعاطف الحداد وعزة رشاد ومحمد ياسين الفيل ورشاد بلال ومحمود عبدالصمد ومني عمر ود.محمد شحاتة. وخديجة غنيمة.. شارك كذلك في اللقاء: ناجي عبداللطيف وآمال الشاذلي وعلي عبدالمنعم وكمال مهدي وسلوي عبدالقادر ورأفت رشوان وهدي حافظ وانتصار عبدالمنعم وأشرف دسوقي علي وإيمان محمد نظمي وجابر المراغي وابتسام عبدالمقصود وإبراهيم جابر أحمد ومحمد خالد.. وغيرهم.