سحر طاغ ذلك الذي يشدني للجلوس أمام الشاشة الصغيرة.. أترك كل شيء وأبقي مشدودة أتابع من جديد شخصيات سكنت الذاكرة ضمن أعزاء "الأسرة" الذين مهما تباعدوا أحن إليهم وامتلئ بالشوق والشجن في كل مرة تطل صورهم.. لا أمل النظر ولا تبهت مشاعر الانهبار ولا الإحساس بالراحة في وجودهم أتابع مسيرتهم جيلاً من وراء جيل. وأياماً تتلوها أيام وليال. وسنوات تحمل فيضاً من التفاصيل العابرة والعزيزة التي لا تموت بمرور الزمن وكل شخصية تتوحد معها. وكل حدث تتفاعل وتنفعل به.. أبناء الحارة ورواد المقهي في حي الحلمية. وحكايات الذكريات وأشواق المستقبل نسيج دقيق لقماشة تاريخية تنبض بالحركة وبالآمال والانكسارات. حكايات حب. وزواج وطلاق. وصراع مشروع ومقاومة ضد الاستعمار وكفاح وطن. ورغبة في الانتقام.. الخ. سليم البدري. سليمان غانم. نفيسة هانم. نازك السلحدار. حمدية. زهرة. سماسم. طه وزينهم السماحي.. الخ هذه الشخصيات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة والوجدان الجمعي. والليالي "ليالي الحلمية" التي عشناها معهم شكلت دراما تعتبر من أجمل الملاحم والسير الممتدة التي قدمها التليفزيون المصري في خمسة أجزاء. رحم الله المبدع أسامة أنور عكاشة والمخرج الجليل إسماعيل عبدالحافظ وأعز بالنجاح ودوام الإبداع الشاعر سيد حجاب ولا أعرف لماذا اختفي محمد الحلو. ومشيل المصري الموسيقار الجميل الذي اتحفنا بلحن الأغنية البديعة لتتر "ليالي الحلمية" فلم أسمع أحلي من أغنية المقدمة والنهاية لهذا المسلسل. حسنا فعل التليفزيون المصري بإعادة بثه حلقات مسلسل "ليالي الحلمية".. فمن غير المعقول أن تحرم أجيال صغيرة من الفرجة علي عمل ترك تأثيره النافذ علي أجيال أكبر عندما عرض لأول مرة عام .1987 وحسنا فعل لأنه بذلك أعاد إلي أذهان صناع الدراما التليفزيونية ولجمهور التليفزيون المصري الذي يعتبر أضعاف أضعاف جمهور السينما. أعاد إلي أذهانهم أو ربما أجاب علي سؤال لابد أن يكون حاضراً أمامهم: لماذا حقق هذا المسلسل الجميل الذي شارك فيه مئات الممثلين من أجيال مختلفة ومستويات إبداعية متفاوتة. لماذا حقق هذا النجاح الخالد؟؟ جمهور التليفزيون لم يعد قاصراً علي المدن وإنما أصبح يضم جميع فئات الشعب المصري في الريف والنجوع وفي الصعيد والوجه البحري. باختصار أصبح الشعب المصري كله يشاهد التليفزيون لا فرق بين غني وفقير والدراما التليفزيونية تعد ضمن أقوي الروافد التي تبني الوعي وتفتح نوافذ للمعرفة ولاكتساب الذوق وتطوير الحس الجمالي إنها بمثابة درس لذيذ وسهل الهضم جداً للتاريخ خصوصاً عندما تكون مادته الموضوعية ركيزة مؤلف درامي مبدع مثل أسامة أنور عكاشة. ومخرج متمرس وممتليء بالثقة والإيمان بأن ما يؤديه في ساحة الفن المرئي رسالة اجتماعية وسياسية في مجتمع يعاني من الأمية ومن الكوابح التي تحول دون تعليمه وتثقيفه مثل إسماعيل عبدالحافظ. هذه الأجيال المحترمة والمجيدة والفاعلة في هذا الحقل شديد الأهمية "الدراما التليفزيونية" وأعني طاقم المبدعين من الممثلين الذين شاركوا في صناعة "ليالي الحلمية" مازالوا يواصلون العطاء خصوصاً الكبار منهم "صلاح السعدني. يحيي الفخراني" صحيح اختلفت ملامحهم - وهذا طبيعي - وربما تراجعت لياقتهم بحكم زيادة الوزن. فهم لم يحافظوا عليها مثل نظرائهم من كبار الممثلين في هوليود.. علماً بأنهم ليسوا أقل منهم نجومية أو كفاءة.. ولكنه نظام الحياة هنا في مصر. كثيرون غيبهم الموت ألف رحمة علي روحهم أو تواروا لأسباب أو أخري ولكني أتوقف أمام ممثلة مثل آثار الحكيم وأسأل عن سبب غيابها.. وعن محسنة توفيق.. لوسي مازالت داخل المشهد الدرامي وإن اختلفت الصورة.. بينما توارت سهير المرشدي وأكاد لا أجدها. نحن علي وشك استقبال موجة جديدة من الدراما التليفزيونية.. رمضان 2014 سوف يحمل في طياته - أو هكذا أتصور - الكثير من التطورات والملامح الجديدة ربما المفاجآت الفنية أو ربما يشهد هذا الشهر الكريم بعد ثورتي "25. 30" "ثورة" في حقل الدراما التليفزيونية.. ربما.