يزور مصر هذه الأيام وفد وزاري سوداني للمشاركة في أعمال اللجنة المصرية السودانية للتجارة والصناعة والزراعة.. وقبل ذلك زار مصر وفد سوداني رفيع المستوي برئاسة مصطفي عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني عمر البشير.. ومصطفي عثمان مصري الهوي والهوية.. ويتمتع بحب وصداقة كثير من المصريين .. خاصة الصحفيين. في أواخر الأسبوع الماضي كان في زيارة مصر وفد سوداني برئاسة علي كرتي وزير الخارجية لبحث التنسيق بين البلدين فيما يتعلق بملف مياه النيل ومشاركة السودان في اللجنة الفنية التي ستنظر في موضوع سد الألفية الأثيوبي. لاشك أن هذه الوفود السودانية تقاطرت إلي مصر عقب زيارة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء إلي الخرطوم والوفود الشعبية التي ذهبت إلي السودان .. وما أبداه المصريون جميعاً.. رسميين وشعبيين .. من روح طيبة صادقة تجاه الأشقاء السودانيين. وتحرص مصر في كل مناسبة علي التعبير عن ارتباطها العضوي مع السودان.. وقد ذكر الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية عقب لقائه مع كارتي ان العلاقات المصرية السودانية في أفضل حالاتها منذ فترة وتسير وفق تعاون مشترك في مجالات عدة. أما د.عصام شرف فقد أبدي سعادته بلقاء الوفد الوزاري السوداني الذي اصطحب معه مجموعة من رجال الأعمال .. وقال رئيس الوزراء إن الجانب المصري جاد جداً لتدعيم العلاقات مع الجانب السوداني وتجاوز كل فتور الفترة الماضية وذلك لأن علاقات البلدين تاريخية وأخوية. مصر بعد الثورة جادة فعلاً في تطوير علاقاتها مع عالمها العربي والإسلامي .. وفي المقدمة السودان .. وصادقة فعلاً في توجهها إلي تحويل مناطق النزاع الحدودية إلي مناطق للاستثمار المشترك والتكامل .. وأول نموذج سيتم البدء به هي منطقة حلايب وشلاتين التي تقع بين مصر والسودان .. وقد أعلن الجانبان في القاهرةوالخرطوم انها ستكون منطقة استثمارات مشتركة. لعلنا نذكر أن النظام السابق كان يستخدم ورقة النزاعات الحدودية وتضخيمها لصرف الأنظار عن الكوارث التي يرتكبها في الداخل.. في محاولة لخلق عدو بديل وجمع الصفوف وراءه لمواجهة هذا العدو المزيف. حدث هذا في حلايب وشلاتين .. وفي رفح المصرية التي قيل لنا أكثر من مرة أن أشقاءنا في غزة يريدون أن يضموها إليهم وفق مخطط إسرائيلي متفق عليه بين حماس وتل أبيب. وقد بلغت لعبة اختلاق عدو بديل أقصاها في عهد الرئيس السادات عندما أخذ ينفخ في الخلافات مع ليبيا حول واحة جغبوب حتي وصل الأمر إلي إرسال قوة عسكرية لضربها وضمها إلي مصر بالقوة. بعد أن انتهي عصر السادات لم يعد أحد يسمع شيئاً عن جغبوب .. ولم يهتم أحد بأن يسأل هل هي مصرية أو ليبية. واليوم تنتهج مصر الثورة توجهاً استراتيجياً حميداً.. فلا صراع ولا نزاع مع أشقائنا علي الحدود.. وإنما تعاون وتكامل واستثمار مشترك .. وما يقال عن حلايب يقال أيضاً عن واحة جغبوب ورفح .. وأي منطقة حدودية أخري .. وهذه هي الترجمة الواقعية لفكرة الوحدة العربية .. ولا يمكن ان يستوي نزا ع علي الحدود مع إسرائيل مع أي خلاف حدودي مع دولة شقيقة .. هذا شيء وذاك شيء آخر. نحن نحلم باليوم الذي يتم فيه تنشيط التجارة مع أشقائنا السودانيين وتفعيل اتفاق الحريات الأربع الذي تم تجميده منذ أن وقعه الطرفان .. ونريد أن يعود مشروع قناة جونجلي مع جنوب السودان .. وان تتحول منطقة "أبيي" المتنازع عليها بين الشمال والجنوب إلي منطقة استثمار واسع بمشاركة مصرية. لقد خسرت مصر كثيراً بابتعادها عن السودان .. وخسر السودان أيضاً بابتعاده عن مصر .. وقد حانت ساعة اللقاء .. وتصحيح أخطاء الماضي.