المسلم يتمتع بالكثير من الصفات التي تكسبه محبة وود المتعاملين معه ولعل من هذه الصفات التي تزيده قوة وتبعث في نفسه حب الخير للآخرين أياً كانت معتقداتهم وديانتهم.. في مقدمتها التقوي والرحمة والعدل.. يقول ربنا: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم" الحديد: 28 وقوله: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" الحجرات: 10. كما أوصي سائر العباد الذين آمنوا بالله ورسوله وارتضوا الإسلام ديناً بأن يكون العدل ديدنهم في هذه الحياة "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" المائدة: .8 لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه ضرورة الالتزام بجميل الصفات التي تؤهله لقيادة هذا العالم فيقول صلي الله عليه وسلم : "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحُها وخَالِق الناس بخُلُقي حَسِن".. التقوي حين تستقر في القلوب تجعل المرء المسلم يحرص علي أن تكون خطواته محسوبة بدقة وأن يكون مراعياً لتعليمات رب العالمين والمباديء التي جاءت في كتاب الله وذكرنا بعضاً منها في بداية هذه السطور وقد أرسي رسول الله صلي الله عليه وسلم معالمها وكان قدوة للمسلمين وسائر البشر في كل تعاملاته. حسن الخلق في التعامل مع الآخرين هي التي جذبت الناس والتفوا حوله ووضعوا أماناتهم وودائعهم في حوزته. وقد كانت هذه الأخلاق الكريمة هي التي جعلته سيداً في أم القري تري الناس حتي الذين يختلفون معه. ويقفون ضده يستأمنونه علي أدق خصوصياتهم ولذلك امتدحه رب العباد.. يقول: "وإنك لعلي خلق عظيم" الصدق والأمانة والرحمة والصبر وغير ذلك من الصفات الكريمة هي التي يتحلي بها الرسول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وحينما أمره ربه قائلاً: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" أخبر أهل مكة بدعوة الحق فقال: هل جربتم علي كذباً؟ فأجابوا جميعاً أبداً. لما عرفوا من تعاملاتهم معه أنه الصادق الأمين. ولا شك أن الرسول الكريم أرسي دعائم المجتمع المسلم في المدينةالمنورة علي أساس من الضمير الحي اليقظ الذي غرسه الرسول في القلوب بكلمات من نور وتصرفات علي أرض الواقع. وكانت شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله منبع الإيمان فكانت التقوي هي أفضل حارس لتحركات هؤلاء الصحابة ينشرون قيم الإسلام ومبادئه في التزام جاد يقول الله تعالي : "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" النحل: .25 ها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان إيمانه القوي هو الدافع له في تقديم كل ما له في سبيل الله وعندما سأله رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلاً: وماذا أبقيت لعيالك؟ فيقول أبو بكر: أبقيت لهم الله ورسوله. شفافية في التعامل وتضحية بكل ثقة وعطاء دون مَنّي وصدق الله العظيم إذ يقول: "فما من أعطي واتقي وصدَّق بالحسني فسنيسره لليسري" وماذا كان الجزاء من رب العالمين نجاة من النار ورضا من الله وهي من أجل النعم التي ينعم بها فأما رب العالمين علي أي عبد من عباده "فأنذرتكم ناراً تلظي. لايصلاها إلا الأشقي. الذي كذَّب وتولي. وسيجنبها الأتقي الذي يؤتي ماله يتزكي. ومالأحد عنده من نعمة تجزي. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي. ولسوف يرضي" الليل: 1521 كل ذلك بفضل الضمير الحي الذي استكن في وجدان هذا الصحابي الجليل وغيره من الصحابة الذين تعلموا في مدرسة النبوة. صلابة الحق. سخاء في العطاء. رحمة وعدل في التعامل ولذلك كانوا محل التقدير والترحيب في البلدان التي قاموا بفتحها. وقد كانت قوة الترابط نتيجة هذا الإيمان هي الدعامة الأساسية في العلاقات بين هؤلاء الرجال. الاختلاف في الرأي لا يفسد ولا يؤثر في قوة العلاقات فيما بينهم والوقائع تؤكد هذه الحقيقة. فقد اختلف عمر بن الخطاب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حول حروب الردة ومانعي الزكاة. رأي أبي بكر أن الحرب ضرورة بينما رأي عمر خلاف ذلك. ومع ذلك عندما صمم أبو بكر علي تنفيذ رأيه لم يغضب عمر مطلقاً والأكثر أنه انصاع لرأي الخليفة الأول وبعد أن انتهت الحرب اعترف عمر بأن رأي أبي بكر كان هو الصواب. وهناك أيضاً وقائع أخري منها أن عمر بن الخطاب حينما عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش وعين مكانه أبو عبيدة لم يغضب ليس هذا فحسب وإنما حين وصل أبو عبيدة إلي مقر قيادة الجيش وجد جنود المسلمين يخوضون معارك ضارية فأخفي الخبر عن خالد وبعد أن انتصر الجنود أبلغه بخبر العزل قال خالد: ولماذا لم تخبرني بقرار أمير المؤمنين منذ وصولك لكي أمتثل وأنفذ القرار. والأكثر أهمية أن خالد حينما تقدم به العمر واحتاج إلي بعض الأمور طلب من أبنائه أن يذهبوا إلي عمر. فقالوا له: أتذهب بعد كل ما جري من عمر؟ فقال لهم: إن عمر لم يفعل ولم يصدر قرار العزل إلا ابتغاء وجه الله فقط دون أية نوازع أخري. تلك هي القواعد والثوابت الراسخة التي أرسي معالمها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وكانت شهادته في حق أصحابه هي أبلغ دليل وأدق تعبير عن هؤلاء الرجال: يقول الرسول صلي الله عليه وسلم : "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ليتنا نتعلم من هؤلاء أن الاختلاف في الرأي لا يفسد العلاقات. خاصة في هذه الأيام التي نري فيها شقاقاً ونزاعاً بين أي اثنين يختلفان في الرأي حول أي قضية من القضايا المثارة علي الساحة. ليتنا نتعلم أدب الاختلاف وأدب الحوار فيما بيننا. والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم!!