الخيال الفقير لا يخلف سوي الفراغ.. أبرز تجليات هذا الخيال تتمثل في مؤتمرات الثقافة سواء تلك التي تقيمها هيئة قصور الثقافة أو التي يقيمها المجلس الأعلي للثقافة أو سواهما من مؤسسات الوزارة أو حتي المجتمع المدني. منذ أن وعيت علي الدنيا وشكل المؤتمرات كما هو لم يمسسه أي تغيير.. أعطيك مثلاً عن مؤتمرات قصور الثقافة: جلسة افتتاحية يحضرها المحافظ ورئيس الهيئة ورئيس المؤتمر وأمينه العام ورئيس الإقليم.. كل منهم يلقي كلمة وكل منهم يحصل علي درع.. لا أعرف ماذا يفعل هؤلاء بكل الدروع التي يحصلون عليها.. المهم أن هذه الجلسة تحظي بنسبة حضور عالية.. وبعد أن تنفض تبدأ الجلسات البحثية التي يكون فيها عدد الباحثين أحياناً أكثر من عدد الحاضرين.. يقرأ كل منهم ملخصاً لبحثه المطبوع أصلاً في كتاب المؤتمر.. وفي الغالب لا يتبقي من الوقت المحدد للجلسة سوي دقائق يفتح النقاش خلالها.. ولا يقول المناقشون شيئاً ذا قيمة. وفضلاً عن الجلسات البحثية ثمة أمسيات شعرية يشارك في كل واحدة خمسون شاعراً علي الأقل.. كل من يلقي قصيدته ينصرف إلي حال سبيله.. وعندما يأتي الدور علي الشاعر الأخير لا يجد من يسمعه سوي المقاعد الخالية.. ومع ذلك يلقي قصائده بحماس منقطع النظير.. بل ويتوقف أحياناً ليعيد قراءة بعض المقاطع مرة أخري اعتقاداً منه بأن المقاعد أعجبتها المقاطع!! الجلسة الختامية تكون لتلاوة التوصيات التي لابد أن تتصدرها توصية برفض التطبيع مع العدو الصهيوني. ثم توصية بالتضامن مع الشعب الفلسطيني. ولا مانع من بعض التوصيات الأخري التي تحمل مطالب للأدباء لا تتحقق في الغالب. الطريف أن ذلك كله يتم ليس بمعزل عن مثقفي المدينة التي تستضيف المؤتمر فحسب وإنما بمعزل عن أعضاء المؤتمر أنفسهم حيث يتفرقون في أنحاء المدينة للفسحة والفرجة علي اعتبار أن المؤتمر مجرد رحلة ربما لا تتكرر إلا مرة واحدة كل سنة! المؤتمرات بشكلها الحالي مضيعة للجهد والوقت والمال. وتصيب من يقع "تحت طائلتها" بالتخلف العقلي.. لابد من تطويرها.. والحل في "الخيال".. قليل منه يصلح المؤتمرات وقليل من الضمير لدي أماناتها العامة ولجان أبحاثها يجعلها فاعلة ومؤثرة وليست فرصة لمجاملة هذا "الأستاذ" أو ذاك.. قل لي من هم أعضاء أمانة أي مؤتمر أذكر لك من هم الذين سيشاركون بأبحاث ومن سيتم تكريمهم.. أعرف رجلاً له تلميذ عضو دائم في كل الأمانات.. ولذلك فالرجل ضيف دائم علي كل المؤتمرات.. إذا لم يشارك ببحث يدلي بشهادة أو يدير جلسة.. وإذا لم تكن هذه أو تلك يتم تكريمه.. ولا أدري ماذا سيكون موقعه في المؤتمر القادم بعد أن استنفد كل أشكال المجاملة والتكريم.. أقترح أن يأتي ليحصل هو علي كل الدروع بدلاً من المسئولين الذين تكدست بيوتهم ومكاتبهم بأشياء غريبة.. وفي ذلك أكبر عقاب للرجل لو تعلمون!