لماذا تجري الدول الديمقراطية انتخاباتها البرلمانية أو الرئاسية أو المحلية - البلدية - بشكل دوري؟! الاجابة هي أن السر في ذلك يرجع إلي الاقتناع التام بأن أي نتائج تسفر عنها أي انتخابات هي بالضرورة نتائج نسبية تعبر فقط عن الذين شاركوا في هذه الانتخابات وسط ظروف معينة تقتضي الاهتمام بقضايا معينة وعليه ونظراً للتغير الطارئ علي الجمعية الانتخابية والظروف والقضايا كان لزاماً أن تجري عملية الانتخاب كل فترة حتي يكون البرلمان أو الرئيس أو المجلس المحلي - البلدي - معبراً تعبيراً صادقاً عن هؤلاء الناخبين في هذه الفترة. ولاشك أن أي قرارات أو قوانين تصدر عن أي برلمان تعتبر كذلك نسبية لأنها تعبر عن رؤية أعضاء البرلمان في هذه الدورة أو تلك ولكنها لا تعبر أبداً عن رأي الشعب في كل وقت ومن ثم نقول إن اضطلاع البرلمان فقط بوضع دستور لأي بلد أمر يشوبه العوار تأكيدا لأن هذا الدستور سيأتي حتماً معبراً عن رؤية أعضاء البرلمان في دورة بعينها أفرزتها ظروف بعينها لا تتسم أبداً بالثبات أو الاخلاق. لذلك توافقت الدول الديمقراطية علي أن يضع الشعب نفسه ممثلاً في جمعية تأسيسية الدستور كوثيقة وطنية وليس كوثيقة برلمانية أو حزبية أوطائفية أو فئوية أو طبقية أو أي شيء آخر ولأن ما ينطبق علي البرلمان ينطبق علي هذه الجمعية التأسيسية فقد جرت الأعراف الديمقراطية علي أن يكون عملها مسبوقاً بما يسمي بالإعلان الدستوري المفترض فيه أن يشمل كافة المبادئ والقواعد العامة والأسس التي يري الشعب أنها تتسم بالثبات والدائمية كمبدأ المواطنة والحرية والعدالة والتعددية السياسية وخلافه. من هنا تأتي أهمية ما يدور في مصر حاليا من حوار وطني أو قومي حول ما يسمي بالمبادئ العامة للدستور لأن ذلك ما قد يسفر عن الإعلان الدستوري اللازم قبل وضع الدستور بمعرفة البرلمان أو الجمعية التأسيسية وعليه فإن من الخطأ أن تقصي جماعة ما أو تيار ما نفسها أو نفسه عن هذا الحوار الوطني أو القومي بحجة أن هذا التفاف علي إرادة الشعب الذي سيعبر عنها في الانتخابات القادمة التي ستسفر عن برلمان من صلاحياته طبقاً للتعديلات الدستورية الأخيرة أن يشكل لجنة لوضع الدستور لأن الكلام الآن لا يدور حول الدستور ولكن المبادئ الدستورية ذاتها فهل تراجع مثل هذه الجماعات والتيارات موقفها قبل فوات الأوان؟!