آلة الهارب ذات الأصول المصرية القديمة والتي وجدت رسوماتها علي النقوش الفرعونية كانت هي البطل في حفل أوركسترا القاهرة السيمفوني الذي أقيم مؤخراً علي المسرح الكبير.. الفريق قاده المايسترو نادر عباسي وشاركت فيه عازفة الهارب المصرية مني واصف والتي كانت فقرتها دورة البرنامج الذي جاء معظمه متميزاً الي حد ما في الاختيار والأداء. وآلة الهارب بدأت في مصر وتطورت في أوروبا وتعد آلة نسائية حيث تصادف أن معظم نجوم العزف عليها من النساء وكانت عازفاتها دائماً من الأجنبيات وأول مصرية عزفت عليها كانت د.ناهد ذكري ثم د.سميرة ميشيل وبعدها د.منال محيي الدين ثم ظهر جيل جديد من العازفات منهم مني واصف التي تخرجت من الكونسرفتوار عام 2000 وحصلت علي العديد من الجوائز والمنح وأكملت عدداً من الدراسات التعميقية مع عدد من نجوم تدريس هذه الآلة العالميين منهم ماري كلير جاميه وبرجيت سلفستر وكارول ماكلا كلين وتشغل حالياً منصب مدرس مساعد بالكونسرفتوار بجانب أنها عضو أساسي في أوركسترا القاهرة السيمفوني منذ أواخر التسعينيات. وفقرة الهارب كانت ضمن برنامج الحفل الذي تتضمن فاصلين في كل فاصل منهما فقرتان وشارك في الحفل أيضاً العازف الفرنسي الزائر جون لوي بيمادييه الذي يعزف علي آلة "البيكولو" والتي تعد أصغر عائلة الفلوت وصوتها أكثر حدة ويعد هذا العازف من كبار عازفيها له العديد من التسجيلات وله شهرة كبيرة في مجال العزف علي هذه الآلة الصغيرة التي يضعها في الجيب الداخلي لسترته. برنامج الحفل جاء غير تقليدي حيث تضمن 3 كونشرتات دفعة واحدة وهذا نادر الحدوث ولكن كان ذلك مقبولاً لأن الأعمال لم تكن طويلة كما أن العازفين السوليست يمثلون دائماً عناصر جذب جماهيري.. البرنامج كان متنوعاً بين مؤلفات من عصر الباروك والكلاسيكي وأخري من القرن العشرين منها مقطوعة لقائد الحفل بعنوان بين "الغسق والفجر" وتدور عن يوم تنفيذ حكم الإعدام علي الشخصيتين القاتلتين ريا وسكينة والذي سبق أن كتبه لفرقة باليه جنيف كما سبق أن تناوله وليد عوني في أحد عروض فرقة الرقص الحديث التابعة لدار الأوبرا وتعد من مؤلفات العباسي المهمة والتي يبرز فيها قدرته علي التلوين الأوركسترالي البراق. البداية كانت مع نسخة البيكولو من كونشرتو الفلوت والأوركستر في سلم ري الصغير للمؤلف الكلاسيكي كارل فيليب إيمانويل باخ "1714 1788" ومن نفس العصر قدم كونشرتوو البيكولو والأوركسترا في سلم دو الكبير مصنف 443 لمؤلف عصر الباروك أنطونيو فيفالدي "1678 1741" والعملان تألق فيهما العازف الزائر حيث ظهرت مهاراته التكتيكية التي استطاع من خلالها أن يبرز جماليات المقاطع التي يعزفها. العمل الرئيسي في هذا الحفل والذي نحن بصدده "كونشرتو دي أرنخواز" للمؤلف الموسيقي الأسباني جواكين رودريجو "1901 1999" والذي كتبه لآلة الجيتار الكلاسيكي وهذا العمل سبق أن استمع إليه الجهور المصري من خلال أوركسترا الأوبرا في يناير 2007 وكان العازف المنفرد عازف الجيتار المصري عماد حمدي تحت قيادة المايسترو الأسباني الزائر "توماس هيرزوج" ولكن هنا يقدمه لأول مرة أوركسترا القاهرة السيمفوني بنسخة لآلة الهارب تعد أيضاً من النسخ الشهيرة. والعمل من أشهر أعمال المؤلف والذي جعل له مكانة متميزة في تاريخ الموسيقي الكلاسيكية قدم لأول مرة في نوفمبر عام 1940 من خلال أوركسترا برشلونة الفلهارموني وأداة عازف الجيتار "ريجينو دو لاماتسا" الذي أهدي ردريجو العمل إليه وفيه يصف المؤلف حدائق قصر ارتخواز الخاصة بقصر الملك فيليب الثاني والتي تقع في "جيرنيكا" هذه المدينة والتي تحطمت أثناء الحرب الأهلية الأسبانية وقد انعكس هذا الحدث علي المؤلف. العمل يتكون من 3 حركات أشهرهم الحركة الثانية ويعد من الأعمال الجميلة والتي لا يقتصر قيمته الفنية علي العازف المنفرد بل أيضاً علي الأوركسترا وقد استطاع المايسترو عباسي أن يجعلنا نستمتع بحركات العمل الثلاث والتي للأسف كان يفسدها التصفيق من بعض المتفرجين كما حافظ علي جماليات هذه المقطوعة من ايقاعات مركبة ومتقابلة توحي بموسيقي الفلامنكو الأسبانية مع غنائية حزينة وميلوديات واضحة ومعبرة وقد أبدعت مني واصف في مقاطع العزف المنفرد وقد وصلت للذروة في الحركة الثانية وأيضاً في مقدمة الحركة الثالثة السريعة في البداية والتي تتنوع فيها النغمات وبرز اجتهادها في الحوار مع آلات النفخ "الكورانجليه والفاجوت والكورنو والأبوا والفلوت" مع المصاحبة الوترية.. العمل تم تنفيذه باسلوب جيد وتفوق عازفو الأوركسترا بجموعاتهم المختلفة واستطاعوا مع قائدهم وزميلتهم عازفة الهارب أن يصحبوا الجمهور في رحلة موسيقية رائعة.