لست أدري إن كانت رسالتي هذه سوف تصل إلي السيد المستشار الجليل عدلي منصور رئيس الجمهورية وسيكون لديه وقت لقراءتها أم لا. ولكني أوجهها له من منطلق ما عرفناه عنه من الخلق الرفيع والأدب الجم وتقوي الله. والحرص علي مصلحة مصر وشعبها. سيادة الرئيس رسالتي تتكون من جزءين: الأول: يتعلق بتلك الواقعة التي أدمت القلوب ووقعت أحداثها بمنطقة مينا البصل بالإسكندرية وراح ضحيتها الطفل رجب ممدوح طالب الاعدادية ابن الخمسة عشر عاماً الذي مات علي مائدة الطعام عندما طلب من أمه رغيف خبز زيادة عن بقية أشقائه. فما كان من أمه إلا أن نهرته بسكين كان معها تقطع به كل رغيف إلي أربعة أرباع لتوزعه علي أبنائها بحيث يكون نصيب كل واحد أقل من رغيف. وعندما طلب الابن عيش زيادة ونهرته أمه انفلت السكين من يدها وأصاب شرياناً مهماً في صدره ومات في الحال. الأم قالت في التحقيقات: "ابني يا حبة عين أمه كان جعان وطلب عيش زيادة وخفت اخواته يطلبوا زيه. وماكانش فيه عيش تاني". سيادة الرئيس.. تخيل أن هذا ابنك لا قدر الله ورأيته يكبر أمامك يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام حتي أصبح صبياً. واقترب تحقيق حلمك فيه. وفجأة يخطفه الموت فماذا سيكون شعورك؟ وإذا أضفنا لذلك أن هذا الصبي مات لأنه طلب رغيفاً زيادة يسد به جوعه فما هو شعورك وشعور كل مسئول في الحكومة؟ الجزء الثاني من الرسالة: يتعلق بواقعة مشابهة.. ففي طريق عودتي من العمل مررت بمحل لبيع الدواجن لأشتري "فرختين". وبينما أقف انتظر تنظيفهما دخلت سيدة كان يبدو عليها أنها عاملة أو موظفة رقيقة الحال. ودار بينها وبين صاحب المحل حوار لم أسمع منه إلا أنها تقول: "بجنيه" وهو يرد عليها: "لأ باتنين جنيه". ثم خرجت السيدة من المحل وانتظرت خارجه حتي يفرغ صاحب المحل من تجهيز طلبي لتستكمل معه المفاوضات بعد خروجي. اقتربت منه وسألته: "الست دي عاوزة إيه؟". قال: "عاوزة تلاتة كيلو رجول فراخ بتلاتة جنيه وقلت لها إن الكيلو باتنين جنيه". كان الرجل قد انتهي من اعداد طلبي فأخذته واقتربت من السيدة لإعطائها "الفرختين" لكنها نظرت إليّ وإلي صاحب المحل ثم نزلت دموعها وغادرت المحل دون أن تأخذ شيئاً.! يا سيادة الرئيس.. "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته" كما قال رسولنا الكريم. وهؤلاء من رعاياك. وسوف يسألك الله عنهم يوم القيامة. لن يسألك عن توفير مزايا لجذب المستثمرين. ولا عن اتخاذ قرار بعودة الجماهير لملاعب الكرة. ولا عن قانون مباشرة الحقوق السياسية. ولا عن غير ذلك من أشياء تستحوذ مع الأسف علي اهتمام كل المسئولين الآن. هؤلاء هم الأولي بالرعاية.. هؤلاء هم من يعيشون علي أمل أن تخففوا عنهم ما هم فيه من كرب.. هؤلاء هم المكافحون في الأرض لتوفير رغيف عيش لأبنائهم. وهؤلاء أيضاً هم من يقتلون أبناءهم من إملاق وفقر لأن الدولة تبخل عليهم بلقمة العيش وتحاول التضييق علي الناس في أرزاقهم وتقنين خمسة أرغفة للفرد في اليوم. وكانت مأساة الطفل رجب احدي النتائج السريعة لمثل هذه القرارات العشوائية التي لا تراعي الناس الغلابة. سيادة الرئيس.. هؤلاء الغلابة ينتظرون قرارات منك أنت وليس من الوزراء والمحافظين الذين مازالت هناك فجوة كبيرة بينهم وبين المواطنين لأن هؤلاء المسئولين يركبون السيارات الفخمة وتحوطهم المواكب أينما حلوا ثم يعودون لبيوتهم فيجدون كل شيء مجاباً فلا يعانون أزمة في العيش ولا أنبوبة البوتاجاز ولا المرور. ولا عجز المرتب عن تلبية احتياجات أبنائهم الأساسية. سيادة الرئيس.. إنها الأمانة التي دعتني للكتابة وهي نفسها الأمانة التي ائتمناك عليها وأنت أهل لها. وتقبل تحياتي وتقديري واحترامي.