إلي متي ستظل أمريكا تدس أنفها في الشأن الداخلي للدول وتعتبر نفسها وصياً علي العالم؟ ومتي توقن أمريكا بأننا نرفض هذا التدخل الذي يصل في بعض الأحيان إلي ما يشبه "أسلوب الحلاقين"؟ مرة تقول رأيها بسماجة في سياسات دول. ومرة أخري تفرض طلبات وتملي إملاءات وغيرها من المفردات المقرفة. ومرة ثالثة تطرح رؤيتها في مستقبل أمم بلا حياء باعتبارها أمراً ملزماً وإرادة لا ترد. ومرة رابعة تنتهك سيادة الدول تارة بالعراق وأخري بباكستان.. وغيرها. وإذا كان هذا الأسلوب "البارد" يرضي البعض فإنه يغضبنا.. بجد اتخنقنا وزهقنا وطهقنا من أمريكا وتدخلاتها. * * * خلال ثورة 25 يناير.. قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: ما أريده هو أن ينتصر الشباب المتواجد في الشارع وأريد أن يصبح فتي جوجل وائل غنيم رئيسا لمصر!! بعيداً عن "إرادة" أوباما.. فإن الشباب المتواجد في الشارع انتصر فعلاً لأنه شباب محترم وذو فكر رائق وقناعات وله مطالب مشروعة تمس أوتار قلوب المواطنين جميعا وضحي من أجل ذلك بأغلي ما يملك.. دمه وروحه.. فكان له ما أراد.. لا ما أراد أوباما. بالتالي.. لا دخل لأمريكا ولا أوباما ولا ارادته بما جري في مصر أو بالنتائج المترتبة عليها. * * * لكن.. مجرد إعلان الرئيس الأمريكي انه "يريد" وائل غنيم رئيسا لمصر.. أضر وائل أبلغ ضرر ونسف كل فرص هذا الناشط السياسي إذا كانت له فعلاً فرص. ربما يكون وائل غنيم محبوبا بين الشباب أو مجموعة كبيرة منهم.. لكنه لا يعدو أن يكون الحب الذي يجمع الأصدقاء وأصحاب الغايات الواحدة. وبكل ثقة أقول إن هذا الشباب سوف يرفض غنيم مرشحا للرئاسة. لقد التقيت مع العديد من شباب 25 يناير عقب إعلان تغييرات المحافظين وسألتهم سؤالا محددا: لماذا لم يتم اختيار بعضكم وزراء أو محافظين خاصة انكم أصحاب الثورة الأصليون والحكومة هي حكومة الثورة؟ وكانت الاجابة غير متوقعة وصريحة جداً حتي انني اعتبرتها "صادمة". قالوا: "ماننفعش"!!! عندما أفقت من ذهولي.. سألتهم ثانية: لماذا؟ ردوا: لا نملك الخبرة اللازمة لإدارة وزارة أو محافظة.. السياسة مثل الصحافة والمناصب فيهما تحتاج إلي خبرات متراكمة. عدت وقلت لهم: لكن الضباط الأحرار في ثورة يوليو 52 احتكروا كل مناصب الدولة كبيرها وصغيرها.. فجاءني الرد سريعاً: هذا استثناء ولا تنس ان ثورة 52 قام بها الجيش أما ثورتنا فقد قام بها شباب مدني. بصراحة.. زاد اعجابي بهم أكثر وأكثر.. لتواضعهم وفهمهم للحياة وايثارهم المصلحة العامة علي مصالحهم الشخصية. * * * معني الكلام.. ان الشباب إذا كانوا غير مقتنعين بأن يكون من بينهم وزير أو محافظ.. فهل سيقتنعون بأن يترشح منهم أحد للرئاسة حتي ولو كان وائل غنيم؟ وإذا أضفنا إلي ذلك ان "غنيم" هنا هو مرشح أوباما الذي قال "أريد" ولم يقل "أتمني".. فإن رفضه سيكون لسببين وليس لسبب واحد. بركاتك يا شيخ "أوباما".