جاء الحكم في قضية مقتل الطفلة البورسعيدية "زينة" بحبس كل من الشابين المدانين 15 عاما فقط ليفجر موجة من الغضب بدأت بالقاضي الذي أصدر الحكم ورجال القانون ثم امتدت إلي الشارع.. والسبب في موجة الغضب هذه أن العقوبة هزيلة ولا تتناسب مع بشاعة الجريمة ولا تشكل ردعاً لمن تسول له نفسه ارتكاب جريمة مشابهة. في جلسة النطق بالحكم أعرب المستشار أحمد رشاد رئيس المحكمة عن أسفه وهيئة المحكمة عن عدم تطبيق عقوبة أكثر من المحددة بقانون الطفل لمعاقبة المتهمين اللذين تخليا عن المروءة والشرف فقاما باستدراج الطفلة البريئة واعتصار لحمها. ولم يشفع لها ضعفها وخوفها واستغاثتها. بل قاما بإلقائها من فوق سطوح العقار. وقال القاضي: "نهيب بالمشرع تشديد العقوبة في مثل هذه الجرائم حماية للمجتمع وتقاليده وأخلاقياته". إذن فالمشكلة في ضعف العقوبة المنصوص عليها في القانون والتي لا يملك القاضي تجاوزها.. حيث تنص المادة 111 من قانون الطفل الصادر عام 2008 علي عدم جواز الحكم بالإعدام أو المؤبد أو بالسجن المشدد علي كل من لم يتجاوز 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة وعلي عدم تجاوز العقوبة 15 عاما مهما كان الجرم. وقد جاء هذا النص التزاماً من مصر بالاتفاقية الدولية التي وقعت عليها والتي حددت سن الطفل ب18 عاماً.. وتمثل هذه الاتفاقية - كما قيل - تشريعاً دولياً ملزماً لمن يوقع عليه.. ولذلك لا يجوز لمصر أن تقوم منفردة بتخفيض سن الطفل المتعارف عليه دوليا لأنها ملتزمة بكل بنود ما وقعت عليه وحتي لا تخالف المواثيق الدولية. وتضاربت أقوال القانونيين حول مدي حرية المشرع المصري في التحرك داخل هذا الاطار القانوني المحدد دوليا.. بعضهم أشار إلي إمكانية أن يشدد العقوبة في حالات معينة كجرائم الاغتصاب والقتل والإرهاب.. وبعضهم أشار إلي إمكانية تقسيم سن الطفولة إلي مرحلتين.. الأولي أقل من 15 سنة والثانية من 15 إلي ..18 ويكون تشديد العقوبة علي طفولة المرحلة الثانية.. ثم هناك من أكد بكلام قاطع أنه المساس بالمادة رقم 111 من قانون الطفل لالتزام مصر بالاتفاقية الدولية التي وقعت عليها.. ولا يجوز تغيير هذه المادة وفقا للدستور الحالي.. وهذه في الواقع هي القضية الاساسية في الموضوع برمته.. وهي أكبر من الجريمة التي أودت بحياة طفلة بريئة لا تتجاوز السنوات الخمس. القضية هي الإلتزامات الدولية التي تكبل مصر بسبب توقيعها علي اتفاقيات ومعاهدات ومواثيق تتعارض وتتناقض أحياناً مع ظروفها الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية.. وتملي عليها التزامات غير منطقية يرفضها المجتمع بأسره.. ابتداء من القاضي وانتهاء بالمواطن العادي. ومسمي المعاهدات والاتفاقيات الدولية مسمي خادع كما نعلم جميعاً.. لأن هذه المعاهدات والاتفاقيات يضعها ويروج لها الكبار في الغرب في إطار العولمة.. لكي يأخذوا العالم كله معهم.. ويصبغوه بصبغتهم.. وتذوب الفوارق والخصوصيات.. فتصبح الشعوب صورة مشوهة وممسوخة من شعوبهم. ومهما كانت الظروف والضغوط فقد كان في إمكاننا - ولايزال - أن نتحفظ علي النصوص والبنود التي تتعارض مع خصوصياتنا.. بل ونرفضها.. ونقدم الحجج المقنعة لوجهة نظرنا.. حتي لا ندخل في دائرة التبعية العمياء.. وشيئاً فشيئاً نفقد استقلالنا وروحنا. لا يصح أن نقول علي من تخطي 15 عاماً أنه "مجرد طفل".. هل من يغتصب ويقتل مجرد طفل؟!.. وكيف يكون للطفل الذي بلغ ثمانية عشر عاماً أن يباشر التجارة ويوقع علي العقود ويتزوج؟!.. أليس هذا شخصاً عاقلا ومسئولا عن تصرفاته مادام قد وصل إلي سن البلوغ والرشد؟!