منذ أيام جاءني حفيدي خريج كلية الحقوق يطلب مني الذهاب معه والأسرة للتعرف علي عائلة زميلته بالجامعة التي يعتزم خطبتها لحسن سيرتها وأدبها.. فلبيت الدعوة وأسعدني حسن اختيار حفيدي للعائلة التي سيناسبها والتفاهم الحاضر بينهما والذي معه تزول أية مشكلات.. ولم يمض اليوم حتي تمت الخطبة.. لتعلو الزغاريد ويسعد الجميع. خطبة "حفيدي" وسعيه بنفسه لاختيار شريكة حياته جعلتني أشفق كثيرا علي هذا الشاب الذي دفع أجمل سنوات عمره بجوار زوجة لا تعرف من معاني الرحمة والمودة شيئا. أشفقت علي صاحب قصة "سواح" التي طالعتها مؤخرا عبر نافذتكم وكيف كانت موافقته الفورية علي اختيار أبويه له ظنا منه ان كل الزوجات مثل أمه التي لم ير منها سوي كل احترام وتوقير لأبيه؟! تألمت له لأنه لم يجد من بين أزواج شقيقاته الذين ينتسبون لعائلة هذا الفتاة من يبصره بحقيقة ما هو مقبل عليه والذي كان سببا في يوم من الأيام في عزوفهم هم أنفسهم عنها!! فالإناء ينضح بما فيه.. ولا كرامة لزوج في بيت لا يتوقف فيه الصراخ ولا يسمح له فيه بقليل من الراحة!! نفس الخطيئة التي ارتكبتها تلك الأسرة المسالمة في حق ولدها حين سعت للاختيار له كادت تحدث ذات يوم وتلقي بظلالها الوخيمة علي حياة صديقي وعائلته لولا تداركها في اللحظات الأخيرة والعذر الوحيد الذي نلتمسه لتلك العائلة أن ما أقدمت لم يكن غريبا علي أيامنا في فترة الخمسينيات!! والحكاية باختصار ان شقيقة صديقي أرادت وقتئذ توفيق "راسين في الحلال" فسعت لخطبة ابنة شقيق زوجها لأخيها الذي لم يكن له والأسرة سابق رؤية لها حيث يقيمون في قرية أخري بعيدة عن بلدتهم!! وأتذكر ما مكان يحدثني به صديقي عن سيل المراسيل الذي كانت تبعث به شقيقته لأبيه وأمه واصفة الجمال الباهر لخطيبة أخيها المنتظرة وحسنها "الفتان"!!. مراسيل جعلت الجميع يتلهف علي رؤيتها بل وأدت بأم صديقي إلي شراء أجمل "شبكة" وأغلي الهدايا لها!! .. وكان يوما مشهودا حين سافرت عائلة صديقي - وأنا معهم - إلي بلدة العروس في موكب كبير تتقدمه النسوة وهن يحملن الأواني الممتلئة بالهدايا الثمينة!! عند وصولنا تعالت الزغاريد وتسابق الكل للترحيب بنا حتي جاءت لحظة تقديم "الشبكة".. هنالك أشاروا علينا بالدخول إلي الحجرة التي تنتظر فيها "الحسناء" لنفاجأ بأننا أمام فتاة لم تنل أي حظ من الجمال اللهم سوي الصمت!! وما كان علي عائلة صديقي إلا استكمال المهمة وتقديم الشبكة وسط حالة من الوجوم سيطرت علي الجميع وفي مقدمتهم "العريس"..!! في الحقيقة كانت "ليلة ليلاء" انتهت إلي وساطتي للذهاب إلي أسرة الفتاة والاعتذار لها فكل شيء "قسمة ونصيب" أما الشبكة فهي أبسط تعويض نقدمه لها عما أصابها من ضرر نفسي كبير لا تعرفه سوي بنات الأرياف حين يكثر القيل والقال ويسري كالنار في الهشيم.. مع انه كان بمقدور شقيقة صديقي ان تترك لأخيها حرية الاختيار دون أن تسبب جراحا لأحد.. مثلما كان بمقدور أزواج شقيقات صاحبنا في "سواح" تنبيه شقيق الزوجات للعواقب المقبل عليها ثم يتركون له الاختيار.. وهو التنبيه الذي أحمله لكل شاب قرر الزواج.. ابحث بنفسك عن نصفك الآخر ويبقي للأهل فقط النصح والمشورة. أحمد جعفر - الخطاطبة المحررة: في البداية أشير إلي أن رسالة اليوم هي ثاني تعليق يصلني علي قصة "سواح" فأول أمس كان التعليق الأول "استنزاف" واليوم "خطيئة الاختيار".. ومازلت أتلقي تعليقات القراء حولها ما بين متعاطف ومعاتب رافض لهذا الاستسلام الذي مارسه صاحب "سواح" ضد نفسه فرضخ لاختيار أبويه والشقيقات ظنا أن كل الزوجات مثل أمه التي لم ترفع صوتها يوما علي صوت أبيه ولم تقلل من قدره في عيون أبنائه. وكعادته في إبداء رأيه في كل مشكلة أتناولها عبر النافذة بعث الصديق الشاعر أحمد جعفر بهذه المشاركة التي نجح فيها وباقتدار في الربط بين تجارب الأجيال فبدأ بالحفيد الذي يمثل جيل هذا اليوم ويبحث بنفسه ويختار وعاد بالذاكرة إلي جيل الأمس البعيد وكيف كانت أدواته في الاختيار؟! وفي كل الأحوال لا نجد أفضل مما نبهنا إليه نبينا المصطفي لنضعه أمام شبابنا وهو في رحلة البحث عن النصف الآخر يقول صلوات الله عليه وسلامه: "تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".