غزوة تبوك حفلت بالكثير من الأحداث والوقائع التي تتناولها آيات من سورة التوبة خاصة الذين تخلفوا عن اللحاق بركب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حين أمر بالتحرك لهذه الغزوة إلي غير ذلك من التداعيات التي عاشها الرسول صلي الله عليه وسلم مع أصحابه وتعطرت بها كثير من صفحات كتب السيرة والتراجم وكلها تدور حول هذه الغزوة ومدي أهميتها في دعم الدولة الفتية التي أرسي دعائمها رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة. ومن بين أحداث هذه الغزوة التي ينقلها إلينا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وتتلخص وقائع هذا الحدث في أن ابن مسعود استيقظ في جوف ليل من ليالي تبوك وذلك أثناء وجوده مع الرسول في جيش المسلمين. وقد استرعي انتباهه شعلة من النار تضيء المكان بصورة واضحة في جانب من جوانب هذا المعسكر الإسلامي. وبدافع من الفضول لمعرفة حقيقة هذه الشعلة من النيران وما هي أسباب اشتغالها في هذا الليل ومن أشعلها؟ تحرك ابن مسعود نحو هذه الشعلة من النار وتلك الأسئلة تدور في خاطره وعندما اقترب منها إذا به يشاهد الرسول صلي الله عليه وسلم ومعه الصحابيان الكبيران أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حيث كشفت أضواء هذه الشعلة من النيران سيد الخلق وصاحبيه بصورة واضحة. وهنا وجد الرسول في حفرة فاستغرب لوجود الرسول بها في هذه الساعة المتأخرة من الليل وبعد فترة قصيرة من الإمعان والتأمل اكتشف أن "عبدالله ذوالبجادين المزني أحد رجالات الجيش قد مات فأخذ يمعن النظر بينما الرسول صلي الله عليه وسلم يتطلع إلي أبي بكر وعمر وهما يحملان جثمان "ذو البجادين" ويتجهان به نحو رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو في الحفرة. وبينما هما يدنيان الجثمان لحافة الحفرة سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لهما: "أدنيا إليّ أخاكما" فيدلياه إليه شيئاً فشيئاً حتي تمكن الرسول من تهيئته في تلك الحفرة قال صلي الله عليه وسلم : اللهم إني أمسيت راضياً عنه فأرض عنه" قاصداً صلي الله عليه وسلم بتلك الكلمات عبدالله ذوالبجادين. وعندما سمع ابن مسعود ذلك من الرسول قال محدثاً نفسه: يا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة" لأن هذا القول من رسول الله صلي الله عليه وسلم هو أمنية الأماني لأي امريء مسلم أن ينال رضا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وقد تفضل الرسول بمنحه هذا الوسام في تلك اليلة المشهودة من ليالي غزوة تبوك. هذا البطل "عبدالله ذوالبجادين" كان شغوفاً بحب رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ نما إلي مسامعه دعوة الحق التي أطلقها بكلماته الطيبة حيث كانت تنفذ إلي قلب كل من يسمعها فأخذ يتردد علي مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم ليتزود بهذا الفيض الإلهي لكن عندما علم أهله أخذوا ينازعونه. ونشبت بينه وبينهم خلافات متعددة لكنه بإصرار وعناد لم يخضع لرغباتهم واستمر في التواصل مع مجلس النور وأمام هذا الإصرار وذلك العناد الشديد من هذا الفتي المسلم قام أهله بالانتقام منه بوسيلة للكيد له حيث تركوه في "بجاد" ليس عليه غيره. ولكي نتعرف علي هذا الانتقام من الأهل ومدي قسوته وشدته علي هذا الفتي المتسلل إلي مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم . هذا البجاد معناه الكساء الغليظ شديد الجفاء والقسوة علي جسد أي إنسان. وفي كل مرة كان يتجه فيها إلي الرسول كانوا يجردونه من ملابسه ولا يتركون له سوي هذا البجاد الغليظ الخشن ومع ذلك كان يستعذب هذا العمل من جانب أهله في سبيل التمتع بمجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم والتزود بما يفيده في الدنيا والآخرة. وهكذا كان عبدالله يهرب من أهله وعليه ذلك اللباس شديد القسوة. لكنه حينما يقترب من رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقوم بشق هذا البجاد الغليظ إلي قطعتين. فيلبس إحداها ويشتمل بالأخري ثم يأتي مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو بهذه الهيئة فأطلق عليه الصحابة لقب "ذو البجادين" وظلت هذه الشهرة تلاحقه حتي حظي بهذا التكريم من الرسول حقاً انها أمنية استحقها عبدالله بشهادة رسول الله صلي الله عليه وسلم . والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.