أعرف جيداً السفير ناصر كامل مساعد وزير الخارجية للشئون العربية منذ كان رئيساً لهيئة الاستعلامات ثم سفيراً لمصر في باريس.. وانطباعي عنه أنه رجل حاسم وحازم وتنقلب وداعته في لحظة إلي "قاعدة إطلاق صواريخ" عندما يمس الأمر الأمن القومي المصري. وبناء علي هذه المعرفة.. فإنني موقن بأن السفير ناصر كامل "هلهل" سفير قطر بالقاهرة سيف مقدم البوعينين بمنتهي الأدب وبالأسلوب الدبلوماسي الرفيع الذي يميز دبلوماسيتنا. اللقاء لم يكن عادياً بل كان بمثابة "مجلس تأديب دبلوماسي" للسفير القطري رداً علي البيان الحقير الذي أصدرته وزارة خارجيته بأوامر من أمريكا وسمحت لنفسها فيه بانتقاد مصر وقرارها السيادي بإعلان الاخوان جماعة ارهابية بزعم انها حركة سياسية شعبية.. وأيضاً انتقادها فض المظاهرات الارهابية للاخوان.. كما جعل البيان من إمارة كالنملة وصياً علينا وكأننا غير راشدين فتوجهنا إلي أن الحل الوحيد للأزمة الحالية هو مشاركة كل الاطراف في العملية السياسية بلا اقصاء لأحد.. وهو نفس المعني الذي ذكره تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي لوزير دفاعنا الفريق أول عبدالفتاح السيسي حيث أشار إلي ضرورة أن تكون هناك مشاركة سياسية لجميع الأطراف.. قارنوا بين تعبير قطر "كل الأطراف" وتعبير أمريكا جميع الأطراف.. وهو التدخل الذي رفضه السيسي جملة وتفصيلاً ورد علي هيجل بأن مصر حرة في قرارها ولا أحد يملي عليها شيئاً. كان لقاء غير عادي وما دار فيه هو كلام غير عادي.. لعدة اعتبارات: * أولاً.. أن اللقاء جاء باستدعاء رسمي من وزارة الخارجية وبتعليمات من الوزير شخصياً لتوصيل رسائل محددة هي بمثابة أوامر اذا انصاعت لها قطر فأهلاً وسهلاً واذا ظلت علي عنادها وغبائها فهناك إجراءات دبلوماسية أخري تبدأ باستدعاء سفيرنا بالدوحة للتشاور ثم سحب سفيرنا نهائياً وطرد السفير القطري واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه وأخيراً قطع العلاقات تماماً وإغلاق السفارتين. * ثانياً .. أن الاستدعاء وان كان عُرفاً في الخارجية عند وجود أزمة ويعتبر أخف الخطوات الدبلوماسية.. فإن مجرد استدعاء سفير عربي هو إجراء غير معتاد بين الدول العربية ويدل علي أن الكيل قد طفح وبلغ السيل الزبي وجاوز الحزام الطبيين كما قال الإمام علي كرم الله وجهه.. ولأنه اجراء غير معتاد بين العرب فقد سبقته تصريحات وبيانات عديدة من الخارجية تنبه قطر إلي ضرورة عدم التدخل في الشأن الداخلي لمصر وتؤكد لها أن "للصبر حدوداً".. لكن العملاء دائماً لا يسمعون إلا صوت سادتهم ولا يرون سوي ما يحددونه لهم. * ثالثاً .. أن السفير ناصر كامل أكد للبوعينين وفي لغة حادة جداً أن ما جاء في البيان هو تدخل مرفوض في الشأن الداخلي للبلاد وأن قيام قناة الجزيرة وفروعها بالتحريض وقلب الحقائق وتزييف الواقع ومحاولة اثارة الفتن والفوضي هي تجاوزات غير مقبولة بالمرة في حق مصر. * رابعاً : أن السفير القطري حاول اللف والدوران وتبريد الأجواء الملتهبة وتمييع الأمور بأن بلاده أيدت ثورتي 25 و30 يونيه وأصدرت بياناً يؤكد دعم إرادة الشعب المصري كما أن أمير قطر وجه رسالة تهنئة لرئيس الجمهورية فور حلفه اليمين الدستورية.. إلا أن السفير ناصر كامل عندما سمع هذه "الهرتلة" وذاك "الهراء" لم يسكت بل أكد له أن قطر لو كانت صادقة فعلاً في تأييد الثورتين لاتخذت خطوات واضحة وملموسة وبناءة لاعادة العلاقات بين البلدين إلي وضعها الطبيعي وتنقية الاجواء الملبدة. * خامساً : أن السفير ناصر كامل استثمر الموقف خير استثمار وبعث برسالة قوية إلي العالم كله وليس قطر وحدها حينما أكد أن مصر لن تسمح لأي طرف خارجي بالتدخل في شئونها الداخلية تحت أي مسمي أو تبرير.. وأنها تحمل إلي دولة أو طرف خارجي يقدم أو حتي يشرع في ذلك مسئولية ما يترتب عليه من تداعيات. كلمات ناصر كامل كانت كالصواريخ النووية.. المهم أن يفهما حكام قطر ولو أني متأكد انهم لن يفهموها.. وحتي اذا فهموها فإنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً وسيستثمرون في غبائهم السياسي.. وساعتها فليتحملوا التبعات.