كلما أتت النوات المناخية وما يصاحبها من رياح وأمطار يتوقف الصيادون عن ممارسة أعمالهم ويعتبرونها اجازة اجبارية يلتزمون منازلهم طوال أيام النوة حتي تنتهي. ثم يعودون لممارسة مهنتهم التي تعتبر من أكثر المهن شقاء لاعتماد أصحابها علي الخروج يومياً في عرض البحر بحثاً عن الرزق. حتي يكفي حاجات أسرته. وفي كل مرة يخرج الصياد لعمله لا يضمن عودته مرة أخري سالماً.حيث يتعرض للخطر في سبيل الحصول علي الأسماك لبيعها وتوفير قوت يومه. توجهت "المساء" للميناء الشرقي للإسكندرية خلال أيام النوات الماضية.. فوجدنا الصيادين يجلسون علي المقاعد ويتبادلون الأحاديث في انتظار اعتدال الأجواء لكي يقوموا بممارسة عملهم في الخروج للبحر وصيد الأسماك وبيعها. يقول ابراهيم يوسف "60 سنة": ورثت مهنة الصيد أباً عن جد ولا أعرف مهنة غيرها.. فمهنتنا لا تعرف الراحة أو الاجازات. وفي اليوم الذي لا نخرج فيه للعمل لا نجد ما نأكله. ولكن أيام النوات تتوقف بها حركة الصيد والملاحة وخروج المراكب للبحر. وتكون اجازة اجبارية بالنسبة لنا. لأن الخروج في البحر خلال أيام النوة يعتبر انتحاراً لصاحب المركب والطاقم المرافق له وعدم عودة المركب مرة أخري. مضيفاً أن هناك ما يقرب من 20 نوة سنوياً. ولكل منها موقف معين حدث بها. وكان السبب في تسميتها به ومنها نوة "قاسم" التي سميت باسم أحد الصيادين الذي غرق بمركبه. ونوة "الفيضة" نظراً لزيادة مياه البحر طوال أيامها وزيادة الدوامات والتيارات البحرية علي سطح البحر. ونوة "شمس" التي تأتي مع حركة دوران الشمس طوال العام. ونوة "الكرم" التي تزيد بعدها الأسماك لسرعة حركة المياه طوال أيام النوة. مما تتسبب في خروج الأسماك بالقرب من الشواطئ. ونوة "عوة" التي تكون آخر نوات السنة. لافتاً إلي أن هذه النوات تبدأ من شهر نوفمبر سنوياً وتكون آخر النوات في مايو. وطوال أيام النوات المختلفة لا يستطيع أي صياد الخروج بمركبه للبحر لممارسة عمله. لذلك يضطر الصياد وقتها للذهاب لتاجر الجملة الذي يبيع له الأسماك لكي يقترض منه ما يكفي حاجات أسرته طوال أيام العطلة حتي يعود لعمله ويقوم برد المبلغ الذي اقترضه. ولكن بزيادة 30% تضاف علي المبلغ الأساسي الذي قام الصياد باقتراضه. ويضطر الصياد لقبول هذا الوضع لعدم وجود البديل الذي يساعده علي سد حاجات أسرته طوال أيام النوة. يضيف علي الجمل "69 سنة" أن الصياد يعيش طوال حياته لسداد الديون التي يطالبه بها تاجر الجملة لأنه يقوم بشراء السولار والزيت اللازم لرحلة الصيد. ثم يقوم صاحب المركب بالخروج للصيد مع طاقم المركب من الصيادين. وبعد عودتهم يقوم التاجر بعمل مزاد علي الأسماك لبيعها ثم يقوم بخصم 15% من ثمن الأسماك نظير إقامة المزاد. ثم يقوم بخصم ثمن السولار والزيت. وما يتبقي من أموال تكون لصاحب المركب وطاقم الصيد الذي خرج معه. قال إن صاحب المركب بعد غيابه عن أسرته طوال رحلة الصيد التي قد تصل إلي 4 أيام يحصل في النهاية علي بضعة جنيهات لا تكفي لسد حاجات أسرته. وفي حالة اقتراض الصياد من تاجر الجملة في أيام النوات لا يتبقي شيء له. ومن الممكن أن يعود إلي منزله مكبلاً في دين جديد. مضيفاً أن تجار الجملة بحلقة السمك هم الذين يحتكرون سعر الأسماك لأنها سعلة حرة ولا يوجد عليها حسيب أو رقيب وما يساعدهم علي ذلك هو انعدام الرقابة نهائياً وهو ما يجعلهم يضطرون إلي بيع الأسماك بأسعار زهيدة. طالب الجمل بضرورة فرض رقابة من وزارة التموين علي تجار الجملة بحلقة بيع السمك لمراقبة الأسعار ومراعاة العدالة في عملية بيع وشراء الأسماك لمنع احتكار هذه السلعة. مضيفاً أنه علي وزارة الزراعة ضرورة دعم الزيت والسولار وأدوات الصيد والغزل للصيادين حتي يستطيعوا شراءها. لافتاً إلي أن وزارة الزراعة تدعم الفلاح بالأسمدة والبذور وغيرها من مستلزمات الزراعة. لكنها لا تنظر لدعم مستلزمات الصيادين الذين يعتبرون أكثر الفئات المهمشة ولا أحد ينظر لحقوقهم. قال الجمل إن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كان الرئيس الوحيد الذي نظر باهتمام للصيادين وقام بعمل بورصة يومية لتحديد أسعار الأسماك. وكانت وزارة التموين هي التي تقوم بشراء الأسماك من الصيادين قبل بيعها بالمجمعات الاستهلاكية والأسواق. فضلاً عن إنشاء جمعية الصيادين التي كانت تبيع المعدات من الغزل والطعم والزيت والسولار بأسعار رمزية تدعمها الدولة. ولكن دوام الحال من المحال. فبعد توجه الدولة نحو الرأسمالية اختفت الرقابة وأصبح تاجر الجملة بديلاً لوزارة التموين وتم إلغاء البورصة اليومية وأصبح من يحدد ثمن الأسماك وأرزاق الصيادين هو التاجر. حتي الجمعية حالياً لم يصبح لهادور في دعم الصياد. مما يجعل الصيادين فريسة لجشع وطمع تاجر الجملة الذي كلما زادت ثرواته ازداد الصيادين فقراً. كما أنهم يقومون بشراء أدوات الصيد من محلات بيع أدوات الصيد العادية التي تبيع المعدات بأسعار عالية لعدم قيام الدولة بدعم الصيادين. أشار عادل سلامة "51 سنة" إلي أنه علي وزارة الزراعة ضرورة مراقبة أعمال الصيد.. لأن هناك العديد من الصيادين يقومون بأعمال محرمة دولياً. ومنها استخدام الغزل ذو الفتحات الضيقة الذي لا يسمح للأسماك الصغيرة بالخروج منها والنمو في البحر. بالإضافة إلي قيام البعض بالصيد باستخدام النبلة أسفل قاع البحر التي تستهدف صيد اناث الأسماك أثناء موسم التزاوج لاستخراج "الكافيار" منها. فضلاً عن قيام بعض الصيادين بهدم وكسر الواعر والصخور التي توجد بقاع البحر لصيد الإناث التي تختبئ بينها لكي تضخ بيضها بقاع البحر. كل هذه العوامل أسفرت عن نقص كمية الأسماك بالبحر. وهو ما يجعل الصيادين يعرضون أنفسهم للخطر والذهاب إلي ليبيا وتونس وغيرها من الدول المجاورة عن طريق البحر بحثاً عن الأسماك. بعد نقص كمياتها بسبب غياب وعي بعض الصيادين وانعدام الرقابة عليهم في طرق الصيد. بالإضافة إلي كثرة أعداد المراكب التي تأتي من المحافظات المجاورة للصيد بالإسكندرية ككفر الشيخ والبحيرة. طالب سلامة الحكومة بالنظر لفئة الصيادين لحل مشاكلهم والحفاظ علي الثروة السمكية بوضع ضوابط ورقابة تضمن لهم العدالة الاجتماعية بينهم وبين تجار الجملة. بالإضافة إلي دعم الأدوات اللازمة للصيد وتوفير الرعاية الصحية للصيادين وأسرهم.