مضت سنوات عمره سلسة هادئة فلم أشعر بعبء تربيته أو بمشقة الانفاق عليه حتي التحق بالجامعة وتخرج فيها.. لذلك كم كانت سعادتي بحصوله علي البكالوريوس وسعيه الدءوب في البحث عن أي عمل وإن لم يتوافق مع مؤهله.. فاشتغل ولدي وترتيبه الثالث بين أبنائي الأربعة "مندوب مبيعات" لاحدي الشركات.. ولم يضيع الوقت وراح بالتوازي يبحث عن الفتاة المناسبة التي يكمل معها نصف دينه!! وقع اختياره علي فتاة جامعية مثله وكم كانت فرحته بها وفرحتنا جميعاً بها ولذا كم أخذني الشوق وأمه وكل اخوته لرؤية أول مولود لهما لكن شاءت إرادة الله أن يتبدد هذا الشوق حينما تبين وجود عوائق تمنع زوجته من الانجاب وأنها بحاجة الي رحلة علاج طويلة. مشكلة لم تؤرق في الحقيقة ولدي كثيراً بل تعايش معها بشكل رائع وهو المؤمن بقضاء الله وقدره.. فراح يأخذ بالأسباب ويتردد بها علي عيادات كبار الأطباء والمتخصصين عسي أن يقدُر الله لهما ما يتمنياه. وبالرغم من اهتمامه الشديد بها ومراعاته لحقوقه لم يسلم من تدخلات أمها في حياتهما حيث أقامت الدنيا ولم تقعدها لمجرد أن سعيا لتغيير مسكنهما من الايجار الجديد للايجار القديم فأخذت الحماة توحي لابنتها بأن زوجها لم يفعل ذلك سوي للهروب من نفقات علاجها!! .. وتحت وطأة تلك الهواجس والظنون تركت زوجته البيت وسافرت لتقيم عند والدتها"!!" بالصعيد حاولت من جانبي أنا وأمه علاج هذا الموقف المتأزم وبذلنا من المساعي ما فيه رأب للصدع واعادة البهجة لحياة ولدنا الهادئ المسالم لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل حتي.. حتي جاءت الليلة التي وضعت كلمة النهاية.. ليلة غادر فيها ابني الحبيب وهو في الثلاثين من عمره الدنيا كلها حين اعترضه بعض اللصوص بغرض السرقة ورغم عدم مقاومته لهم أجهزوا علي حياته!! مصيبة زلزلت كياني وكادت تذهب بعقل أمه واخوته وكل محبيه وأصدقائه وهم يستقبلون نبأ رحيل العزيز الغالي تلك الفجيعة التي حلت بنا وانتظرنا أن تعيد إلينا زوجه أو أرملته إلا أنها ضربت بكل الذكريات الجميلة التي جمعتها به عرض الحائط وبدأت في مقاضاتي وهي التي لم أتعامل وزوجتي معها في يوم من الأيام علي أنها "زوجة ابن" بل كنا نتخذها ابنة لنا حيث لم يرزقنا الله بالبنات! لقد رأيت وحتي تهدأ روح ابني وتطمئن علي حقوق أرملته رأيتُ الحديث إليك وأنا المكتوي بنار رحيله آملاً أن تصل رسالتي لها عبر نافذتك.. وهي أن المشكلات مهما عُظمت فهي قابلة للعلاج والتسوية فاتركي ساحات المحاكم وتعالي لاستلام مقتنياتك والحصول علي كافة حقوقك فلم يعد في الدنيا شيء نبكي عليه بعد رحيل ابني الذي ظل وفيا لك أيتها الابنة الغاضبة.. فكم.. كم أسرَّ لي بأن مسألة تأخر الأنحاب لا تزعجه بالمرة فهو يري في جميع أبناء اخوته وأصدقائه بأنهم أبناؤه..! الأب المكلوم : ع.ع.ع القاهرة * المحررة : لاشك أن ما نزل بك من مصيبة برحيل ابنك المفاجيء كان كفيلاً بأن تلين له قلوب كل من عرفوه وما كان يتمتع به من خصال نبيلة يكفيه منها رحمة الله صفة الوفاء.. لكن هناك أيها الأب المكلوم من القلوب ماهي كالحجارة أو أشد منها تلك التي جاء وصفها في القرآن بقوله تعالي : "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة منها وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار" وحتي آخر الآية 74 من سورة البقرة. وكما فهمت من رسالتك فقد سعيت أنت وزوجك لرأب الصدع بين ولدك وشريكة حياته لكنكما فشلتما نتيجة لتلك الهواجس والظنون التي سيطرت علي تفكير أمها وهي التي نلتمس لها بعض العذر فيما ذهبت اليه من هواجس وهي تري أن فرصة ابنتها في الانجاب ضعيفة ومن ثم فإن حياتها الزوجية باتت مهددة لامحالة. هواجس دفعتها الي تصوير كل خطوة كان يقوم بها ابنك من أجل تحسين معيشته بأنها خطوة نحو الانفصال عن ابنتها رغم أنك لم تذكر لنا أي شواهد تفسر سر تنامي هذه الظنون عند حماته بل أخبرتنا في نهاية رسالتك بما أسره لك ولدك الراحل مراراً وهو تمسكه بزوجه سواء أنجبت أم لم تنجب. ورغم كل ما مارسته أرملة ابنك معك منذ أن تلقيت نبأ وفاته مازلت تمد لها يدك لكي تطوي معها هذه الصفحة بعيداً عن ساحات القضاء فلعلها تُلبي نداءك الذي لاتبغي من ورائه سوي رد الحقوق عسي أن تطمئن روح ولدك الغالي وتهدأ.