أتصور ان أحمد فؤاد نجم من القلائل الذين فهموا مزاج الشعب المصري ووظفوا فنهم لكي لا تكون هناك هوة واسعة بين النص وبين الشارع خاصة في أوقات غليانه. كان مزجاً فريدا بين الفن والسياسة. وربما بين الروح الشعبية الساخرة في تجلياتها الجمالية الممعنة في الرقة وبين صلابة الشاعر في مجابهة الحكام الذين لم يراعوا مزاج الشعب. لم يكن غريبا أن يصعد نجم هذا الفنان الأصيل مع اندلاع مظاهرات الطلبة مطالبة بالسلاح لتحرير سيناء تقريبا 1968 والسنوات التالية حيث كان الشاعر والمغني نجم وإمام يقدمان مثالاً حياً علي امكانية توظيف الفن لخدمة القضايا الوطنية. شخصيا افتتنت بقصائده الاجتماعية الساخرة حول الصراع الطبقي مثل "كلب الست". لكنني ظللت لفترة أعتقد أن شعر التحريض غير جدير بالبقاء لسنوات قادمة. حتي وجدت الشباب من أجيال لم تعاصر الحالة السياسية في الستينيات تردد أغاني الشاعر. وهذا معناه أن فرضيتي لم تكن صحيحة علي طول الخط. الأمر الآخر انني كشاعر قديم وجدت في قصائد نجم قدرة علي المزج بين العامية خفيفة الدم وبين قضايا سياسية في غاية التعقيد. وهذا أمر يجب أن نتوقف أمامه طويلا. كذلك فإن قريحته لم تنضب وظل لصيقاً بالحركة الوطنية المصرية فلم يغير معتقده ولم يسلم ذقنه لتيار الإسلام السياسي أثناء صعوده بل ظل مدافعاً بالقصيدة عن قناعاته. أظن ان شاعرا مثل زكي عمر لو لم يمت في شبابه لأكمل مسيرة نجم فقد كان يمتلك نفس الأداء الساحر البسيط والعميق في آن. لقصيدة العامية المصرية. وداعاً أحمد فؤاد نجم. لقد علمتنا الكثير.. اتفقنا أحيانا واختلفنا أحيانا أخري. لكننا كنا نجادلك بقصيدة مختلفة. لكن ظل التقدير والاحترام قائماً في كل الأحوال.