تزايدت إصدارات كتب التراث ومبيعاتها بالتالي. بصورة ملحوظة. إلي حد أن العديد من دور النشر الراسخة في مجال الكتب الحديثة. قصرت ما تصدره علي كتب التراث. لأنها في تقدير مسئوليها أقدر وأسرع علي تحقيق أرباح مجزية.. الحسبة البسيطة تقول إن الكتب المؤلفة بعيداً عن القوائم الساذجة بأفضل المبيعات تبيع بالكاد بضع مئات من النسخ بينما كتب التراث تصدر بآلاف النسخ دون حقوق ملكية وتحقق لناشريها أرباحاً هائلة. يري الروائي فخري فايد أن عملية النشر لم يعد يقوم بها الناشرون القدامي. ظهر في الأفق مجموعات وأفراد لا يهتمون إلا بالتكسب من وراء ما يقومون بنشره ولأن المزاج العام الآن هو القراءة في التراث إلي جانب أن الجامعات والمعاهد المتخصصة تهتم بما تقرره من مواد بالجانب التراثي وتغفل ملاحقة الجديد من الكتابات مع أن من المفترض أن يكون الاهتمام بالحال الواقع والذي يحدث في زماننا بالإضافة إلي ذلك فثمة الابتعاد أو العدول أو تجنب نشر الانتاج الحديث انصراف الشباب إلي وسائل التواصل الاجتماعي وقضاء أوقاتهم في الجلوس إليها حتي أصبحت ثقافة الانترنت أكثر شيوعاً من ثقافة الكتب والمطبوعات الاهتمام بالكسب السريع يتحقق بالبيع السريع فللناشرين عذرهم علي ما تقوم به دورة رأس المال الأسرع ولتدارك هذا يجب أن تهتم مدارس ومعاهد العلم بتوجيه فكر طلاب العلم إلي نماذج معاصرة يقتدي بها وتطبق عليها القواعد الفنية التي تتم الدراسة عليها وهذه مسئولية الدولة في الدرجة الأولي دون شك أما مسئولية الإعلام فتكمن في لفت أنظار مشاهديه وهي أعداد ليست قليلة ومؤثرة في رواج أي منتج. كما أنها تتأثر بشدة إذا حملت الرسالة الإعلامية الطرافة في عرض الانتاج الأدبي الحديث ما يحزن حقاً أن نقرأ أن كمية ما يطبع من أي منتج أدبي حديث لا تزيد عن مائة وهذا كله مرجعه تراكم الإهمال من العملية التعليمية لدور يجب عليها أن تنهض بها وهو تقديم نماذج أدبية حديثة لطلابها الأمر يحتاج إلي دراسة جادة حتي علماء النفس عليهم تصحيح المسار الخاطئ الذي تعيش الثقافة في ظل الآن. وتشير د. سمية الساعاتي إلي أن كتب التراث مرتبطة بالمناخ الثقافي السائد لم أر كتباً تراثية يعاد نشرها كان لها دور كبير في بناء الحضارة العربية الإسلامية كما هو الحال بالنسبة لمقدمة ابن خلدون مثلاً لكن ما نشر هو في اتجاه معين متصل بقناعة هؤلاء الذين كان لهم فكرهم ومن الصعب تصور أن يلخص كتاب أو تنتزع منه أفكار معينة ويصبح الكتاب موجهاً توجيهاً معيناً حتي يمكن نشره لم أجد ندوات ولا محاضرات عن كتب تراثية بارزة لم يسمح المناخ السابق بذلك أبداً. أضافت: وضعت كتاباً يبتعد تماماً عن هذا المناخ سميته "عندما يغني المصريون" لكنني احترت: لمن أتوجه به؟ كنت أجمع مادة الكتاب وأنا أتساءل: من الذي سيقرؤه؟ هو خارج النسق الذي كنا نعيشه. وفرض علينا.. المناخ لا يصل لمثل هذا ومن ثم فقد انطفأت في داخلنا جميعا- نحن الكتاب والمبدعين- جذوة الابداع وقلت- كما قال غيري- لنجلس حتي تنور الدنيا حالتي ليست الوحيدة هناك حالات أخري عانت مثلي كيف نبدع؟.. كنا نشعر أننا في الظل ولا يوجد من يمسك بيد الآخر ويشد من أزره وكان السؤال: لمن أكتب؟ ويروي د. حامد طاهر أنه نشر- منذ عدة سنوات- كتاباً لم يلتفت إليه المثقفون ولا الناشرون هو "الدوائر المتداخلة" وأقصد بها دوائر إحياء التراث والترجمة والتأليف وقلت فيه إن هذه الدوائر ينبغي أن تكون متقاربة من بعضها ومتوازنة بل ومتداخلة فإذا أردنا تحقيق كتب التراث ينبغي أن نعطي اهتماماً مماثلاً لكل من الترجمة والتأليف لكي تتوازي حياتنا الثقافية والفكرية لكن الذي يحدث منذ فترة طويلة أن معظم الناشرين يركزون علي كتب التراث وحدها ولا يكادون علي سبيل المثال ينشرون كتباً مترجمة تحتوي علي أحدث ما توصل إليه العالم من معلومات وأفكار كذلك فإنهم يفضلون كتاباً من التراث- مهما كان مستواه- عن كتاب مؤلف حديثاً وهكذا فإن الحياة الثقافية عندنا مضطربة وغير سوية وكان من المفترض علي وزارة الثقافة أن تحدث هذا التوازن في المنتج الثقافي. لكنها هي الأخري راحت تترجم بعض المؤلفات غير المهمة كما تنشر لمؤلفين غير جيدين وهكذا ضاعت الحياة الثقافية داخل وزارة الثقافة نفسها. مواكبة التيار الديني وفي تقدير د. جمال عبدالناصر أن ما يحدث ليس اهتماماً بإعادة اكتشاف التراث بقدر ما هو مواكبة للتيار الديني وإن تبدل الحال بعد 30 يونيو تدفقت رءوس الأموال من مواضع شتي وحدث ما يشبه الاتفاق بين القنوات الفضائية والدعاة وكان السلفيون وراء تلك الظاهرة كان لهم دور في نشرها لكن الأمر لفت الانتباه بالنسبة للقارئ الذي يميل إلي كتابة الرواية الحديثة والقصيدة الحديثة وإن لم يتأثر بذلك. والحقيقة أن ظاهرة الناشرين المتحولين مبعثها ما كانوا يتقاضونه من مبالغ طائلة وهناك من دفعهم إلي تحقيق ربح لكن الربح والخسارة ليسا في باله. لأنه استطاع الكسب في كل الأحوال. من ناحية ثانية فلعلي أعتقد أن بعض الدول التي تعني بإعادة صياغة كتب التراث كان يهمها أن تصدر تلك الكتب التي تحمل وجهة نظر تخدم أهدافاً بعينها أعتقد أن التيار السلفي كان وراء هذا وهنا تكمن الخطورة. والاهتمام بالتراث- في رؤية الكاتب حسام حافظ- بدأ مع الاتجاه للثقافة الدينية. وفي ثمانينيات القرن الماضي حدث رواج كتب التفسير وكانت معارض الكتاب تقدم بين مطبوعاتها العديد من الإصدارات التراثية هناك دول خليجية مثل الكويت والإمارات والسعودية تهتم بكتب التراث هذا عمل يلبي طلب بعض القراء. وهناك مواقع للتراث علي الانترنت تجول فيها الكثير من القراء وكانت لديهم الرغبة في الحصول علي نسخة ورقية ومن ثم انتشرت الطبعات الورقية العديدة من كتب التراث بل ظهر أكثر من طبعة في أكثر من دار نشر. وفي تقدير د. عزة بدر أن عدم إقبال دور النشر علي الأعمال الأدبية أو الإبداعية حسب ما تقوله هذه الدور أن الكتب الأدبية أو الإبداعية لا توزع وأن الناس تهتم أكثر بالكتب الدينية والسياسية لذا يفرضون شروطاً قاسية علي الأدباء. فيطلبون منهم تكلفة الطبع. أو يحرمونهم من نسبة أرباح توزيع الكتاب وأري ان ما تراه دور النشر في هذا الصدد رؤية قاصرة لأن الأدب مرآة للمجتمع وفيه تنعكس صور الحياة كلها: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية قارئ الأدب أو الإبداع متعطش للقراءة وغلاء سعر الكتاب من العوامل التي تحرمه من الإقبال علي الشراء بدليل أن الكثيرين يشترون كتب الأدب مثل رصيف دار القضاء العالي. ورصيف محطة مترو أنفاق الاسعاف ومحطة مترو السيدة زينب. وسور الأزبكية. ويقبلون بشغف علي الشراء لأن الكتب بنصف الثمن. والحق أني معجبة بباعة الكتب علي الأرصفة الثقافية لأنهم يخدمون الثقافة وتلبية طلب القارئ عن طريق وسائل حديثة مثل الاتصال بالموبايل يتحدث المبدعون مع بعضهم عن الكتب الحديثة ويحصلون علي الكتاب بمجرد عبور الرصيف أنا شخصياً أشتري كتباً من الرصيف كتباً حديثه بنصف الثمن. ومغلفة. يعوضون ما تفرضه دور النشر من أسعار ذات أرقام فلكية هولاء الباعة هم البديل للوراقين بتوع زمان وهم قراء لهذه الكتب فقراء لكنهم أثرياء بالثقافة أرجو ألا يكون الرصيف الثقافي أشغال طريق يجب أن تظل أرصفة الثقافة إنها أرقي شيء في وطننا لابد أن يكون الباعة موجودين وجهاً ثقافياً للبلد. خطأ أن نعتبرهم مجرد باعة جائلين.