بعد صدور قرار وزير الثقافة بقصر نشر كتاب واحد في هيئات الوزارة لكل كاتب. وتكاثر دور النشر الخاصة التي تكتفي بالنشر لمن يدفع. فإن المشكلة الجديدة التي يواجهها المبدعون هي اعتذار معظم دور النشر الحكومية عن طبع الاعمال الإبداعية من مجموعات قصصية وروايات ومجموعات شعرية وغيرها. السبب الذي تستند إليه هذه الدور هو عدم رواج تلك الأعمال قياسا إلي المؤلفات التي تتناول موضوعات أخري. وفي مقدمتها بالطبع ما يعني بقضايا الدين والسياسة والجنس. يشير د.عبدالناصر حسن إلي نوعين من الناشرين: نشر حكومي. لا يهتم بفكرة الربح. مثل المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة. لأن هدفها الأول هو هدف تنويري يحرص علي التوعية. أما الناشرون من أصحاب دور النشر والمكتبات فما يهمهم هو الربح. ثمة فرق كبير بين من يريد الربح. ومن يريد نشر الثقافة والعلوم والآداب. وكل أنواع المعرفة التي تشكل المجتمع. وتشبع حاجة أبنائه. كل ما تقدمه المؤسسات الثقافية الآن. مثل دار الكتب والوثائق القومية. وهيئة قصور الثقافة. وهيئة الكتاب. وغيرها من المؤسسات الرسمية الثقافية وتنوعها. دون النظر إلي الربح. أو ما تحققه من هامش الربح. يعود إلي خزينة الدولة.. هو ما يصعب أن يلتزم به ناشر القطاع الخاص. لأن المكسب التجاري هدف مهم بالنسبة له. بل إنه لا يستطيع أن ينهض بعمله دون أن يطمئن إلي الربح علي نحو ما.. ويري د.حسن طلب أنه من المهم أن نعترف بما حدث في الفترة الأخيرة. حيث راجت الثقافة الاستهلاكية السهلة التي لا تنمي قدرة علي الفكر. أو يوجد بها فلسفة معينة.. هذه الثقافة هي ثقافة الصورة والتوك شو. التي يلهث الجمهور وراءها. ولن تستمر بالطبع. فإذا كانت هذه الفترة التي نعيشها تروج لها. فإننا نأمل أن يتغير الوضع. وهو عكس طبيعة الأشياء.. الثقافة الحقيقية هي الثقافة التي تبني شخصية الإنسان. وتبحث في قضايا الفكر والفلسفة. وتتطلب مشاركة وجودية للمتلقي.. وهو ما كان في فترات الاستقرار التي تشجع علي ظهور ثقافة رصينة. ويري الروائي حسني سيد لبيب أن الناشرين قد يمتنعون عن نشر الأعمال الأدبية. لأنها لا تلقي رواجا تجاريا. هذا يحدث سواء كان العمل قصة قصيرة أو رواية. قيمة العمل الابداعي. بل والنقدي أيضا. فالقيمة هي التي تجعله يتفوق. ومن ثم يتم الذيوع والانتشار. وتصدر من العمل الواحد طبعات أخري. وما يتبع ذلك بالقطع وهو الربح بالنسبة للناشر الخاص والأهمية تأتي من الموضوع نفسه. وأهميته للمتلقي. وتأثيره في نفوس القراء. سواء كان هذا التأثير نفسيا أو اجتماعيا أو سياسيا. ورغم غزو الفضائيات وإمكانياتها ووسائط الشبكة العنكبوتية فمازال للكتاب الورقي والكلام للقاص الشربيني المهندس مكانته لدي القراء.. وتأتي ظاهرة النقد الأدبي ومثلث المؤلف والنص والقارئ. ومن ثم ثنائية الشخص والنقد وعدم رضا المبدع عن النقد وضعف النصوص كما يقول النقاد. مع عدم وجود مناهج نقدية عربية في المقدمة. ثم ظاهرة تدني مستويات التلقي والقراءة لتمثل أزمة ثقافية في عالمنا العربي. مع ملاحظة انخفاض متوسط الدخول وانتشار الأمية. فضلا عن اننا نستورد الورق وأحبار الطباعة متقلبة الأسعار مع محظورات نقل الكتاب بين الدول العربية والسياسية الرقابية وقلة المعارض وحظر موضوعات التابو المعروفة.. وتتعدد المحاولات للتغلب علي أزمة النشر.. وهنا مازالت تجربة الجماعات الأدبية المصرية للنشر الخاص علي حساب الكاتب في بداياتها كما أن كلاسيكية الصالونات الأدبية تقلل من دورها فضلا عن انحسار دور الجامعات في مواكبة التطور الادبي بصورة فاعلة.. وبعيدا عن لغة الأرقام التي تحتاج للأمانة والدقة ونبحث مع آليات النشر ودور النشر الحكومية والخاصة وكلها تعمل وفق حسابات تجارية تشمل الدعم المرتبط بسياسات خاصة وتمثل مكتبة الاسرة تجربة مميزة.. ويمتاز الغرب بظاهرة تكليف مؤلف أو جماعة لتأليف كتاب أو أكثر عن ظاهرة أو قضية والتسويق اللازم لها.. ومع شيوع النشر بمبادرة من المؤلف ومسئولية الناشر في عالمنا العربي نبدأ بعرض أسباب الانتشار للكتاب والتي تتضمن جاذبية الموضوع وشهرة الكاتب وشكل الغلاف والسعر. وتأتي الموضوعات الدينية والسياسية في المقدمة وأيضا كتب التراث والروايات الشهيرة. وتأتي التراجم في ذيل القائمة. وتوضح الدراسات أن السعر ليس هو الفيصل. فالفقراء لا يتوقفون عن الشراء في الحدود المعقولة. وتأتي المشاكل بداية من شهرة المؤلف وإمكانية التزوير المنتشرة في البلاد العربية مع الافتقار للجزاءات الرادعة للناشرين.