السؤال الذي ربما يلح علي بعض المتصدين للعمل الوطني . دفاعاً عن حق الجماهير في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. هو: هل يعي هؤلاء الذين بذلت الحياة لنصرة قضاياهم قيمة ماأفعل ؟.. وهو سؤال يحمل السذاجة والانتهازية في آن معاً. ذلك لأنه يعامل مصير الجماعة بمنظور شخصي بحت. ويناقش الأمور بمنطق المكسب والخسارة. الإنسان صاحب القضية يختلف عن الإنسان العادي في أنه يبذل كل شئ. حتي النفس. من أجل نصرة ما يري أنه حق. ومن أجل دفع ما يري أنه ظلم. بل لعله يعلم يقيناً أن ثمرة الانتصار لن تصل بحال إلي يده. بل إن مصيره أقرب إلي الموت. مع ذلك. فإنه لا يتقاعس عن نصرة الاتجاه الذي يؤمن به. وكما تقول نتاليا بطلة تورجنيف الشهيرة: إن الذي يسعي إلي غاية جليلة يجب أن ينقطع عن التفكير في نفسه. ربما المنطق العادي يحمل جيفارا مسئولية اغتياله في أحراش بوليفيا. فهو الذي كان يعلم بتلمس المخابرات الأمريكية لخطواتة. لكن الخطأ في طرح القضية بهذه الصورة . ذلك لأن "المناضل" يؤمن بعدالة القضية وقداستها حتي علي النصر ذاته. وبالتالي علي الهزيمة له ولأتباعة. والتي قد تصل إلي التصفية الجسدية. كان جيفارا يثق أن المخابرات الأمريكية تترصد له حتي تغتاله. منذ اختار سبيل تصدير الثورة إلي خارج كوبا "مرحباً بالموت مادامت يد ثورية تمتد لتقبض علي أسلحتنا من بعدنا". ومثلما كان الليندي ينتظر الاغتيال نهاية لإصراره علي البقاء وحيداً. وأعزل. في وجه القوات التي اقتحمت قصره. ومثلما كان الحسين يعلم باستشهاده وهو يقود فرسانه القلائل من الحجاز إلي العراق. أغلب ظني أن مصطفي كامل كان سيتخلي عن مبادراته الوطنية. لو أنه عانق اليأس الذي فرضة التصور بأن الشعب المصري يتقاعس عن التحرك وراءه . نشداناً لحريته. عاب مصطفي كامل - في لحظات سخط - علي الأمة أنها "لا تسعي للوصول إلي هذا المرام السامي . وإلي تحقيق أمنيتها. بل تريد أن تأتيها الحرية وهي نائمة. فتوقظها من نومهاً. لكن الزعيم أدرك - فيما بعد - أن انتفاضات الشعب لا تتحقق يخطب تشتعل حماسة. فالتحرك الجماعي يستند إلي التوعية أولاً. فالإعداد والتنظيم. فضلاً عن دعامة الوقت التي تضع لكل خطوة توقيتها وحسابها. السبب المباشر في انحطاط كثير من المجتمعات. يرجع إلي ما يطرأ علي الضمائر من الفساد وضعف الإحساس الأخلاقي. ولم يصب الضعف والتخلف الإغريق لنقص علمهم بالمذاهب الأخلاقية. وإنما أصابهم من جراء تناقص عدد الذين يقدرون وجباتهم الأخلاقية. وما عليهم من تبعات هامة. أتفق مع جون مورلي في أن الأفراد الذين يرون الضوء - وهم بطبيعة الحال الأفراد المثقفون - إذا أحجموا عن احتمال ما عليهم من تبعة. فإنهم يضاعفون العلل الأخلاقية في المجتمع. وهم لايحرمون المجتمع من مزايا التغيير فحسب. بل من يرون شعوره بالحاجة إلي التغيير ضعفاً. وإيقاظ الإحساس الأخلاقي في المجتمع من العوامل الهامة في تقدمه. لعلي أتجه بهذه الكلمات إلي بعض مثقفينا الذين اكتفوا بترقب النتائج. والتصفيق - أو الرفض - لمنجزات 25 يناير. و30 يونيو. دون أن يشاركوا في صياغة الحدث!