"القومي للمرأة" يواصل متابعة مشاركة السيدات في مرحلة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    معرض للحرف اليدوية والصناعات التراثية الفيومية بنادي الزهور بالقاهرة    مدبولي: نستهدف تحقيق أعلى درجات العدالة الاجتماعية    1.6 مليار دولار قيمة صادرات قطاع الغزل والمنسوجات خلال 11 شهرا    كابول تدين اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارين بموسكو على الإغلاق لساعات    تريزيجيه: هدفنا الفوز باللقب في المغرب.. وحسام حسن مثل أعلى لكل لاعبي مصر    مواعيد وجدول مباريات اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    تحرير مخالفات تموينية متنوعة بمركز ومدينة القنطرة غرب وأبوصوير ولجنة خدمات المستقبل    الصحة تتحرك فورا لغلق مصحة للإدمان غير مرخصة في المريوطية وتحيل القائمين عليها للنيابة    وكيل تعليم أسيوط يتفقد مدرستى 30 يونيو الرسمية والجهاد الابتدائية بحى غرب    «العيال فهمت» على مسرح ميامي احتفالًا برأس السنة وعيد الميلاد    وزير الثقافة يصل جنازة المخرج داوود عبدالسيد في كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حينما نزل الغيث ؟!    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بكليات العلوم والحاسبات (صور)    مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر تجدد اتفاق تمويل مع بنك البركة بقيمة 90 مليون جنيه    الداخلية تضبط شخص يوزع كروت دعائية بمحيط لجان دمنهور    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    بريطانيا وألمانيا توقعان صفقة أنظمة مدفعية متنقلة ب70 مليون دولار    أشرف حكيمي: كأس أمم أفريقيا ليست سهلة.. وسنقاتل للفوز على زامبيا    وصول جثمان المخرج داوود عبدالسيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    مي كساب تبدأ تصوير مسلسل «نون النسوة» استعدادًا لرمضان 2026    مصدر: مهلة أسبوعين لأصحاب المحال بالقاهرة لوضع صناديق القمامة قبل تحرير المحاضر    وزير قطاع الأعمال العام يبحث مستجدات التعاون مع مجموعة "طلعت مصطفى" لتطوير مشروعات فندقية    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    «المركزي» يقرر تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة انتهاء السنة المالية    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    الداخلية تنظم دورتين للكوادر الأمنية الأفريقية بالمركز المصري لحفظ السلام    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الصحة: الشيخ زايد التخصصي يجري قساطر قلبية معقدة تتجاوز تكلفتها مليون جنيه على نفقة الدولة    البنك الأهلي يواجه إنبي في صراع التأهل لربع نهائي كأس مصر    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    مد غزة ب7400 طن مساعدات و42 ألف بطانية ضمن قافلة زاد العزة ال103    تحصيل حاصل| موعد والقنوات الناقلة لمباراة مصر وأنجولا في كأس أمم إفريقيا    21 مواطنًا يحصلون على جنسيات أجنبية مع الاحتفاظ بالجنسية المصرية    مصر توقع إتفاقية لإنشاء محطة متعددة الأغراض ومركز لوجستي في جيبوتي    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    كيف ينتج تنظيم الإخوان ازدواجيته.. ثم يخفيها وينكرها؟    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    حبس مها الصغير شهر بتهمة سرقة لوحات لفنانين أوروبيين وتغريمها 10 آلاف جنيه    شريف الشربيني يشارك في اجتماع لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ اليوم    إصابة شخصان إثر تصادم ميكروباص مع توك توك بقنا    انطلاق الانتخابات التشريعية في ميانمار    لافروف: القوات الأوروبية في أوكرانيا أهداف مشروعة للجيش الروسي    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جائزة نوبل:
من مثالية المؤسَّس إلي إلتباس المسار
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 11 - 2012


مويان.. الكاتب الصينى الحائز علي نوبل 2012
ليس المهم فوزك بجائزة ما، لكن الأسمي أن ترسم للتاريخ وجهة معينة. لذا لم يكن، هاجس أي واحد من الكبار الذين صنعوا للبشرية مصيرا جميلا، كل واحد في مجاله، الظفر خلال يوم من الأيام بتقدير مادي أو معنوي. يقولون كلمتهم ثم يرحلون في صمت. لكنهم طبعا، يظلون بوفاتهم، يرسمون كل آن ذاكرة جديدة لممكنات الإنسانية.
جل العظماء، صنعوا لنا سعادة بشقائهم ومكابدتهم، ونكرانهم لذواتهم. مادامت القيم لاتنبت بجرة رغبة بين عشية وضحاها، مثلما أن حكاية الموت والخلود أسمي بكثير من مجرد طي رتيب ليوميات تافهة.
لم يكن غاندي، يملك غير عصاه وجسده النحيف، تطويهما إرادة أسطورية أخرجت دولة من باطن البدائية كي ترتقي بها إلي صف أعرق الأمم ديمقراطية، فهل بوسع اليوم العالم المعاصر أن يحبو خطوة واحدة دون بلد اسمه الهند؟
النموذج النادر الذي جسده، الطبيب الأرجنتيني إرنستو تشي غيفارا، لن يتكرر مرة أخري علي الاطلاق. فكيف بهذا الشاب الأربعيني أن يتخلي بصوفية فوق إنسانية، عن السلطة والجاه ورغد العيش والكوبيات الجميلات... ، ويرحل صوب أدغال افريقيا وأمريكا اللاتينية، معرضا صدره لأي رصاصة طائشة؟.في سبيل فكرة.
نيلسون مانديلا، هذا الافريقي الشامخ قضي مايقارب الثلاثين سنة وحيدا داخل زنزانة، استماتة في الدفاع عن جلد عشيرته وحق جميع الناس في حياة كريمة كيفما كانت أجناسهم..
سلفادور أليندي، الاشتراكي النبيل دفع دمه ثمنا، بغية تكريس اشتراكية طوباوية، بحيت لو نجح تعميمها، لتغير حتما مستقبل جحافل فقراء العالم؟....
لحظات نوعية ، فقط أوردتها علي سبيل التمثيل لا الحصر. لكن مع قلتها وندرتها ، تدوم ساطعة ومعبرة جدا .قصصها مغرية وشجية، تضفي علي نفسها كل لحظة مزيدا من التخصيب والتحيين،لأنها ببساطة كانت وستبقي ضمير البشرية الأمثل.
هؤلاء ومن علي منوالهم، لم يهرولوا وراء تقدير معنوي أو إثراء مادي، بل صنعوا مافعلوه، إيمانا بقناعاتهم الذاتية وانسجاما مع آرائهم في الوجود والناس والأشياء. ولاشك، أن حالات كهاته، تحاكم بكل الأشكال والمفاهيم واللغات، مجتمعات لوثت وأصابت بالخلل، مايمكن تسميته بالعطاء الإنساني الخالص والنقي المترفع عن كل النزوعات المشينة، أي الفعل قصد الفعل. إنه المنطق، الذي اجتهد زعماء البشرية في أفق تهذيبه.
صاحب فكرة نوبل نفسه، مناسبة حديث هذه الورقة، توخت قناعته الصميمية هذا المنحي. فحينما تبين للعالم الكيميائي سوء اختراعه سارع متداركا زلته، محاولا التكفير عنها بأن أوصي بتركته الضخمة قصد تكريم المجتهدين الذين سيقدمون خدمات جليلة للإ نسانية في جميع المجالات، دون اعتبارات شخصية و إيديولوجية وعرقية أو جغرافية... .
إذن وحده الأثر يرفع صاحبه مقاما، دون شيء آخر. بالتالي يفرض علي مستوي الترتيب الزماني، أن المتوج يهفو قلبا وقالبا بكل جوارحه، نحو إضافة نوعية لمسار التاريخ دون لبس ولا مواربة ولا ميولات أنانية. بعد ذلك، هذا التاريخ بقضه وقضيضه سينصفه تأكيدا، بتحويله من ذات فيزيائية إلي روح سرمدية.
لا أحد يجادل، في كون استحقاق نوبل قد صار أكثر التقييمات إثارة للغط و السجالات والمهاترات، يبدو أغلبها عقيما وسوفسطائيا. لسبب وحيد، أنها أولا وأخيرا تبقي جائزة لا أقل ولا أكثر، بمعني حكما مختزلا ووجهة نظر جماعة من الناس. بينما الجوهري، ينبغي أن يتركز أساسا علي التأسيس السابق لها،المحيل علي طبيعة المنجز الذي انتهي بصاحبه إلي التتويج المذكور، سواء كان علميا وأدبيا أو سياسيا.
صحيح أن نوبل، تظل أهم جائزة قد يبلغها شخص، نظرا لقيمتها المالية والاعتبارية، غير أن نوعية السياقات التي انزاحت بها عن طموح المؤسِّس، حولها إلي قضية ملتبسة بكل المقاييس، فأضحت تماما حقلا ملغوما. صارت معها الأسئلة غير الأسئلة :لم يعد الأدب نصا جماليا بأسمي المثل،وإنما تضمينا شعاراتيا ديماغوجيا؟ .كما أن المناضل السياسي، قد تنكر للقيم الرفيعة وشرع ينقب يمينا وشمالا، بحس ومكر الانتهازيين، عمايجعل خطابه سلعة رائجة؟؟.
هكذا يستطرد منتقدو نوبل، بالتالي فأغلب المتوجين لم ترشحهم فعلا عطاءاتهم، وإنما أساسا" سجلاتهم المدنية" لدي دوائر الحكم العالمي؟ المتحكمة في تنميط مستوي القيم، وفق تصورات تنسجم مع مصالحها السياسية والاقتصادية. حكم يشي بكثير من القسوة والجاهزية، لكنه مع ذلك قد لايخلو من جدة، لاسيما إذا استقرأنا بتمهل وتؤدة البنية الطوبوغرافية لإعلانات نوبل.
يدرك الجميع المناصر قبل المناوئ ،أن الجائزة لا تصنع أبدا مبدعا أريبا ولاعالما عبقريا ولاسياسيا كاريزميا. كما أن المطلع علي كتابات وسير فلاسفة وأدباء القرون السابقة ،الذين غيروا حقا مجري المعطي البشري ، لن يعثر بين فقرات أطروحاتهم علي إشارة من قريب أو من بعيد ، تضمر همسا أو صراحة ، توقا إلي ذكر ما. بل مات جلهم ، وليس في جعبته مخبأ لمسوداته ضمانا لحمايتها من ملاحقات الغوغاء والدهماء.
لاشك ، أن مثل هذا النقاش يطرح ثانية بحدة ، خلال شهر أكتوبر من كل سنة ،بمناسبة انطلاق الإعلان عن لائحة الفائزين بالجائزة بخصوص فروعها الخمسة :الأدب ،السلام ،الفيزياء والكيمياء ،الاقتصاد ،الطب. لكن أكثرها ،إثارة للنقاش المحتدم وربما مايمثل منبع كل أدبيات نوبل ، تحيل علي مايصنف باعتباره ماهية للسلام في تصور أعضاء برلمان ستوكهولم؟ وأيضا كيف تتحدد المعايير والفواصل ،التي تجعل من كاتب دون غيره أفضل إبداعية؟حسب طبعا فهم الأكاديمية السويدية.
حكاية نوبل وحيثياتها
ألفرد نوبل(1833-1896) ، عالم الكيمياء السويدي المختص في المتفجرات، انتهت أبحاثه عند اختراع الديناميت، فاعتبر المآل إساءة للبشرية. لهذا وسعيا منه للتكفير عن خطيئته، خصص ثروته لخمس جوائز، عكست بشكل من الأشكال ميولاته العلمية والفنية.فإلي جانب انشغالاته العلمية ،كان نوبل محبا للشعر والأدب والمسرح واللغات. بعد وفاته، تأسست هيئة نوبل، وقررت توزيع جوائز سنوية في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام، تمنحها علي التوالي : الأكاديمية الملكية للعلوم ومعهد كارولين للطب والجراحة والأكاديمية السويدية ثم لجنة نوبل البرلمانية.تبلغ القيمة المالية ، لكل واحدة منها مليون دولار.
وبقدر النقاشات التي تصاحب حصول هذا المترشح أو ذاك، والشكوك التي تحوم حول السلام والأدب ، فإن أغلبية الرأي العام لا تعرف بشكل دقيق الخطوات التي يمر منها السباق قبل حلول شهر أكتوبر. أي ،من يختفي وراء نوبل أكثر الاستحقاقات أهمية في الوقت الحالي؟ثم المعايير التي يستحضرها أعضاء لجنة التحكيم؟.عموما، يظل عنصر التشويق والترقب ، منصبا أساسا علي نوبل للأدب التي تميزت دوما عن باقي زميلاتها بشيئين اثنين :1- السرية التامة والمطلقة ، التي تحيط بنتيجتها حتي لحظة إعلان الأكاديمية السويدية عن الاسم الفائز ،علي الساعة الواحدة زوالا من أحد أيام خميس شهر أكتوبر ، بخلاف نوبل للسلام التي غالبا ماتتحقق معها إمكانية التكهن.2-أن عنصر التداول الإعلامي لروائي ما أو شاعر لايعتبر أمرا حاسما ، فغالبا ماتأتي النتيجة بخلاف جل التوقعات ، تحضرني هنا أسماء : أدونيس ، إيف بونيفو ،آسيا جبار ثم جان ماري غوستاف لوكليزيو الذي ورد اسمه مرارا علي رأس قائمة المرشحين بقوة دون جدوي ،إلي أن حظي بها أخيرا سنة2009.
إذن الأكاديمية السويدية، المتواجدة علي بعد خطوتين من القصر الملكي، والتي تأسست سنة 1786 من قبل الملك غوستاف، هي من يتكفل بمهمة الإشراف علي نوبل، بحيث يحول أعضاؤها الثماني عشرة، الملتصقة بهم صفة الحذر والتكتم الشديد، بلدا كالسويد المعروف بحياديته السياسية رغم نموذجه الاجتماعي المتطور، إلي القوة الأولي عالميا. في هذا الإطار، مافتئ بعض أعضاء تلك اللجنة يعبرون عن ثقل المهمة وجسامتها، لأنها تتسبب للأكاديمية سيلا من الانتقادات تأتيها من أنحاء العالم. كما ينعرج بها ذلك عن مهمتها الأولي والأصيلة، المتمثلة في السهر علي اللغة والأدب السويديين، وكذا الاشتغال علي معجم وتخصيص جوائز وطنية.
لذا وتجنبا لمختلف التهم الممكنة، يتوخي فريق نوبل المتكون من لغويين ونقاد للأدب وكتاب، تبني خطوات عمل صارم أساسه المشاورات السرية، وتأكيدهم المتكرر عن استقلالهم المطلق حيال أي تأثير للأكاديمية.
بين شهري نوفمبر وفبراير، تبدأ خطوات تقديم المرشحين إلي نوبل. بحيث، ترد أولي الوصايا والاقتراحات من العالم قاطبة : أكاديميات وطنية، جامعات، فائزين قدامي بالجائزة ثم جمعيات للكتاب. طبعا تمثل شهرة المبدع في الخارج عن طريق الترجمات وحضوره الملتقيات والندوات، عاملا مفصليا للتوفر علي حظ الترشيح من طرف جمعيات تناط بها مهمة القيام باقتراحات. ثم تحصر، قائمة المترشحين في ثلاثمائة اسم ،ستختار منها لجنة نوبل مابين خمس عشرة إلي عشرين اسما، يؤثتون اللائحة الطويلة، التي ستقلص بدورها إلي خمسة أسماء فقط، صوتت عليهم الأكاديمية بالإجماع يوم الخميس الأخير من شهر مايو.
خلال الصيف ، ينكب الأعضاء علي قراءة مؤلفات متنافسي المرحلة الأخيرة. بعد ذلك ، يلزم الأعضاء كتابة تقرير توضيحي يضم خمس إلي ست صفحات ، تتطرق إلي نصوص كل مترشح ثم العمل علي عرضها خلال شهر سبتمبر، ويجري التصويت النهائي يوم الخميس الذي يسبق الإعلان عن الجائزة.
معرفيا، تحاول لجنة نوبل ماأمكنها الأمر، تجسيد فكرة غوته عن »الأدب الكوني« ، فتضم بين جنباتها المهتم بالأدب الإفريقي والعالم بالحضارة الصينية وكذا المنكب علي نتاجات اللغة الألمانية.... هذا مايفسر حضور عشرات اللغات. مع ذلك، لايقرأون كل شيء مما
يحتم عليهم القيام بنشاط مكثف في الترجمة، اعتمادا علي أحكام أهل الاختصاص الذين يهيئون تقارير وترجمات.
أدباء أثاروا زوبعة
جاو كسينجيان :
سنة2000 حصل الصيني كسينجيان علي نوبل للأدب. تتويج أغضب بشدة الصين ، فهاجمت بحنق اختياره من طرف الأكاديمية السويدية ،معتبرة الموقف تدخلا سياسيا في شئونها الداخلية ، لايمكن استساغته. لماذا ؟ كسينجيان مناهض لنظام بلده الشيوعي. عاش في الصين مراقبا من قبل أجهزة المخابرات إلي أن استطاع الهرب إلي فرنسا سنة 1989 وطلبه من حكومتها حق اللجوء السياسي ، وحصوله علي الجنسية الفرنسية سنة 1997. هكذا ،السفير الفرنسي من رافقه يوم 10 دجنبر 2000 إلي حفل عشاء ظفره بنوبل. فتحت له الجائزة آفاقا واسعة ورحبة بحيث ترجم إلي ست وثلاثين لغة مختلفة ، وتوسعت قاعدة قرائه إلي أبعد حد. لكن، رغم الاعتراف العالمي، مازال كسينجيان مرفوضا في الصين، ولا تدرجه ضمن الحاصلين علي نوبل. كما أنها ، حينما كانت ضيف شرف صالون باريس للكتاب، لم تستدعيه للمشاركة.
نجيب محفوظ
يعتبر محفوظ ،أول مبدع مصري وعربي ، حصل علي الجائزة الثمينة سنة 1987. هذا الاختيار اللامتوقع ، أسال مداد الكثيرين في محاولة لفهم خلفيات التفات السويديين إلي روائي محلي لم يغادر حارته أبدا نحو الخارج ، ولايعرف لغة ثانية غير العربية ،كما أنه لم يكن قطعا متوقعا بأي صيغة ضمن شبكة العلاقات الثقافية ، التي بوسعها الدفع به نحو مراتب لوائح الترشيحات. لذا، لم يتردد كاتب كبير آخر من جيل محفوظ اسمه يوسف ادريس، بعد أن وضع يده علي "السر" إلي اخبار الجميع، أن دعوة محفوظ للتطبيع مع الكيان الصهيوني، شكلت سببا كافيا لمنحه الجائزة. تأويل، استثمره خاصة أصحاب المرجعية الاسلامية، كي يضيفوا إليه أن محفوظ لم يشجب قط إسرائيل، بل ورفض حرب الاستنزاف معتبرا أن المواجهة العسكرية الطويلة لاتجدي و مجرد تبذير لثروة الشعب، فلماذا لانجرب الصلح مع إسرائيل؟. أيضا، مشروعه النصي في رأيهم ينطوي علي نزعة فرعونية، يعيد من خلالها إنتاج مواقف سلامة موسي، من خلال دعوته إلي الشعوبية والتغريب داخل المجتمع المصري، فهو يرفض أي شكل للقيود الأخلاقية علي الإنسان.واستدلوا أساسا بروايته »أولاد حارتنا«، ملوحين دائما بتهمة أنها تسيئ إلي الاله والأنبياء.
أورهان باموك
فاز التركي بنوبل للأدب سنة 2006. المنتقدون، أشاروا إلي أن الأمر لايخلو من خلفية سياسية قبلية، وليس النص الأدبي وحده من أجاز أساسا التتويج. فإلي جانب أن باموك يوجه إلي بلده تركيا، تهمة قيامها بمذابح ضد الأرمن فترة الحرب العالمية الأولي، أودت بحياة مليون أرميني، ثم إبان عقد الثمانينات من القرن الماضي، عندما تحولت آلة القتل صوب الأكراد بحيث وصل العدد إلي 30 ألف كردي. فقد تضامن باموك، مع سلمان رشدي الذي منحته الملكة البريطانية لقب »سير«، نكاية بالمسلمين كما تقول دائما نفس المؤاخذات !!!.
نايبول
لقد أراد الفريد نوبل من جائزته، أن تجسد تقاربا بين الثقافات والشعوب، يتجاوز منحها الحدود الجغرافية والسياسية واللغوية، دون اعتبار للجنس و الجنسية و اللغة و الانتماء العرقي والأيديولوجي، وسواء كان الكاتب مبدعا ذائع الصيت أو مغمورا، لكنه أنتج أدبا عميقا يستوفي أعظم المقومات الجمالية. بيد أن الإحساس السائد، يتضمن تقليدا مفاده أن الأسماء المغمورة تدعو لدي الكثيرين إلي الاحتراس وأخذ الحيطة. هذا ماحصل مثلا سنة 2001 حين تأكد فوز أديب مغمور اسمه »نايبول« ينتمي إلي بلد صغير جدا يدعي "ترينيداد". صحيح، أن خلاصات الأكاديمية لاتفهم دائما جيدا، لكن الأوساط الاسلامية، اختزلت الأمر كله في كون هذا الشخص يعرف بعدائه الشديد للإسلام !!!وأنه بدوره، حصل من العائلة الملكية البريطانية علي لقب "سير".
شعار بلا مضمون
بالانتقال من الاستحقاق الأدبي، إلي آخر ينهل من طبيعة حقوقية وسياسية مثلما يحيل عنه اسم جائزته، فإن المسافة تغدو أكثر فأكثر مليئة بالأفخاخ. لأن نوبل للسلام ابتعدت بما يكفي عن الأصول والمبادئ التي هيمنت علي رائدها أي نوبل نفسه.
لذلك حينما، نستعرض أسماء مجموعة الممهورين بصفة دعاة للسلام، فلن نعثر بينهم والأخيرغير حوار الطرشان. بل، جلهم لم يرسخ اسمه دوليا إلا بناء علي خراب اللاسلم والسلوك الدموي حتي آخر قطرة. بالتالي، ما العلاقة التي يمكن أن توحد علي سبيل التنكيت، بين شيمون بيريز وإسحاق رابين وقبلهما مناحيم بيغن ثم مجرد تحسس خيالي لشئ اسمه السلام؟- ربما لو بقي شارون فاعلا في الساحة السياسية لحصل عليها بدوره- فهؤلاء الصقور غرسوا الدولة الإسرائيلية بتكسيرهم لعظام الفلسطينيين. وبوسعنا في المقام ذاته، أن نضيف بكل أريحية هنري كيسنجر،عقل السياسة التوسعية الأمريكية المتوج بالسلام سنة 1973، مناصفة مع الفيتنامي»دوكتو« بدعوي أنه مهندس السلام مع الفيتناميين. غير أن الطفل قبل الشيخ، يدرك أن أمريكا خرجت قسرا من الفيتنام نتيجة المقاومة الشرسة التي صادفتها هناك، وأن إدارة كيسنجر لم تكن أبدا رحيمة قيد أنملة بالشعب الفيتنامي. لذلك، أبان دوكتوعن موقف وطني نادر عندما رفض الجائزة تضامنا مع مقاتلي وقتلي بلده.
لعل من أغرب الطرائف، التي راكمها تاريخ نوبل للسلام، تحيلنا علي يوم الجمعة 19 اكتوبر2009 ، لما أعلنت اللجنة عن فوز أوباما بينما لم تتجاوز فترة دخوله البيت الأبيض عشرة أشهر، قضاها في التفوه بخطابات دون بادرة ملموسة تذكر، وبقيت وعوده مجرد حبر علي ورق، لاسيما ماتعلق بأهم القضايا الساخنة : غوانتنامو،العراق، القضية الفلسطينية، أفغانستان، إيران.لهذا لم تتردد وقتها بعض المنابر الإعلامية الدولية عن وصف الأمر ب»سخرية التاريخ«. لأن الرئيس الأمريكي وقبل وصوله خبر الفوز بساعات قليلة، كان يشرف علي اجتماع جديد لمجلسه الحربي حول أفغانستان. اتصف أوباما، بالصدق مع حقيقة وضعه حينما صرح في خطابه : »وللحقيقة،لاأشعر بأنني استحق التواجد إلي جوار أشخاص غيروا حقبتهم، فحصلوا بالتالي علي الجائزة«.
إذا كانت ظاهريا، بعض دوافع اختيار أوباما قد تداولتها الألسن محددة الحوافز فيما يلي : إعلانه التخلي عن مشروع الدرع المضادة للصواريخ في تشيكوسلوفكيا وبولونيا، الذي شكل موضوع تشنج بين أمريكا وروسيا، ثم دعوته للحوار مع العالم الإسلامي والقطع مع سياسة بوش، ومقاربته الجديدة للتغير المناخي. فإن التتويج، في حقيقة كنهه يحمل بصمة للسيد »ثوربيون ياجلاند« رئيس لجنة أوسلو المكلفة بالسلام المنتخب حديثا آنذاك، والأمين العام للمجلس الأوروبي.هو وزير عمالي سابق، ترأس لأعوام الأممية الاشتراكية وقريب سياسيا من الرئيس أوباما. إذن لم يكن في منجز الأخير شيئا ملموسا سوي عالم من من الوهم حيث الكلمة تكتفي بذاتها، لكن بالدرجة الأولي انحياز "ياجلاند".
خلال تلك السنة، أكدت بعض التقارير المحايدة، أن مبلغ مليون دولار، أولي به أن يوضع في حساب الهيئة الروسية للدفاع عن حقوق الإنسان بزعامة »أوليغ أورلوف« التي فضحت باستمرار الاعتداءات علي حقوق الإنسان بالشيشان. فكان ذلك دافعا أساسيا لاغتيال »نتاليا إيستيميروفا « إحدي محققات المنظمة يوم 15 يوليوز2009.
يقفز إلي الذهن أيضا، مقارنة بأوباما، المعارض الصيني »هوجي« البالغ من العمر36 سنة، وهو من رموز الدفاع عن قضية البيئة ومقاومة مرض السيدا. يعتبر منسقا فعالا لحركة"المحامين الحفاة" المناهضة للظلم. حكم عليه يوم 3أبريل 2009 بثلاث سنوات ونصف سجنا، تحت مبرر »التحريض علي زعزعة استقرار الدولة والنظام الاشتراكي«. حاز سنة2008 علي جائزة »ساخاروف« لحرية الفكر وقد سلمها له البرلمان الأوروبي.
قبل أسبوع تقريبا، توج الاتحاد الأوروبي بنوبل للسلام. وقد أكد الأعضاء الخمسة علي لسان »ياجلاند«، أن في الاختيار رسالة إلي أوروبا : »لتفعل كل مابوسعها،لتؤمن ماحققته وتمضي قدما«.
. وأشاد بدور التكتل الأوروبي في إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية ودوره في نشر الاستقرار بعد سقوط جدار برلين عام1989. جاء فوز الاتحاد، بعد تنافس مع 231 مرشحا منهم معارضون للنظام الروسي وزعماء دين يسعون إلي المصالحة بين المسلمين والمسيحيين.
وإذا كان القرار بالنسبة لنا كشعوب تنتمي لدول الجنوب، يضمر كثيرا من الإهانة لأن الاتحاد الأوروبي، يتحمل قسما من مسئولية تعميق أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية، بدعمه المستمر سياسيا وعسكريا لأنظمة سياسية متخلفة عن الركب الحضاري، حفاظا علي مصالحه.كما أن التدخلات المباشرة للاتحاد في مناطق متعددة(العراق، أفغانستان، بلدان افريقية)، مازالت تعكس بكل المظاهر فكرا استعماريا بربريا. فماذا تقول لجنة نوبل،عما صنعته أكاذيب »بلير« باعتباره سياسيا أساسيا داخل منظومة الاتحاد، بجغرافية العراق وشعبه والطوق الجهنمي الذي أدخلهما إليه؟.
لكن حتي وبغير الاستناد علي هذا المنحي، فالمفارقة السوريالية التي انطوت عليها نسخة نوبل 2012 للسلام، أن بلدا كالنرويج الذي يسلم الجائزة،رفض مرتين(1972-1994) الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، لأن أغلب النرويجيين ينظرون إليه كمصدر تهديد لسيادة الدول، واستطاعت النرويج تحقيق منظومة متطورة جدا خارج إطار أوروبا، معتمدة أساسا علي مواردها النفطية والغازية. في هذا السياق،عقب "هيمينج أولاوسن" زعيم المنظمة النرويجية لمناهضة العضوية في الاتحاد الأوروبي علي خبر الفوز قائلا : (أجد هذا غريبا). لكن ربما، تضمن الأمر بكيفية مستترة وبنوع من اللباقة، تقديم مساعدة لأوروبا كي تخرج من أزمة "اليورو" الذي يهدد كيانها. فأين نحن إذن من فلسفة ورغبة رائد الفكرة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.