من المؤكد ان الثورة لم تولد من عدم وإنما هي افراز مشكلات كثيرة أخذت تتراكم وتتفاقم حتي تحولت إلي عبء ثقيل يصعب احتماله وبعد ان كان الاعتقاد السائد بأن الشعب المصري هو مجرد بالون يتمدد وينتفخ ولا ينفجر ثبت للجميع ان هذا الشعب قادر علي الاحتمال إلي حد بعيد لكنه ايضاً قابل للثورة والانفجار والتمرد عندما يفيض به الكيل ويشعر بالظلم وتغلق في وجهه الأبواب. من هنا خرج كالمارد في 25 يناير ليحرق الأرض حرقاً تحت أقدام عتاة الفساد ويعيد الميزان للاعتدال. كان هدف الثورة منذ البداية إعادة صياغة الواقع ونقل الحياة في مصر من منتهي الفساد إلي دولة سيادة القانون. من اصحاب الثقة إلي اصحاب الخبرة. ومن المكافآت إلي الكفاءات من الطبقية المجحفة التي تحتكر فيها الارزاق حفنة من الاشخاص لا تزيد نسبتهم علي نصف في المائة إلي دولة تتقاسم فيها الناس الفرص بالعدل والحق. وقد بدأ المصريون في اول الأمر وكأنهم ولدوا من جديد واستردوا وطنهم المغتصب وراح الكثيرون منهم يقدمون سيمفونية من العطاء فوجدنا من يحمي الوطن من البلطجية وينظف الشوارع ومن ينزل للمناطق العشوائية لتوعية الناس بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. وبقوة الدفع الوطني تحولت الثورة إلي نموذج ابهر العالم كله وتسابقت الدول علي توصيفها والاشادة بتفردها وتميزها عن غيرها من الثورات التي سبقتها. وإذا بالتشكيك والتخوين والتشفي هي السمات الغالبة في مرحلة من المفترض انها المدخل لمصر مختلفة وجديدة وصار الاهتمام الاغلب بمن يقبض عليه ومن هرب امواله للخارج أو قتل أو سرق أو نهب أو اغتصب الاراضي وكأن الثورة جاءت لتزيدنا تشبثاً بالماضي أو قل لتعيدنا إلي الوراء بدلاً من ان تدفع بنا إلي الامام. يا سادة لا قيمة لأي ثورة في ذاتها انما القيمة الحقيقية فيما تحدثه من تغيير داخل العقول والافئدة. قيمتها الحقيقية في ان يتغلغل رحيقها في شتي مرافق البلاد وتعيد بناءها لتكون الاساس الذي يبني عليه هذا الوطن. ان المحاكمات مطلوبة وتطهير مصر من الفساد والمفسدين أمر حتمي لا مفر منه.. لكن العدالة الاجتماعية ايضاً مطلوبة والحرص علي تحقيق هذه العدالة لن يكون ابداً بالتشفي