رفيق الصبان انسان مرهف طيب القلب وقلبه علي لسانه. مجامل إلي حد الاسراف. يحترم جدا قيمة "الاحترام" وقدسية الزمالة وتبعاتها فكذا عرفته عن قرب. "الفيلم" بالنسبه له مثل الهواء والماء. ساعات يومه يمضيها دون كلل امام الشاشة لايشاهد فيلما جميلا أو مهما الا وحرص علي تمريره لي نتناقش حوله نختلف او نتفق. يعشق بجنون الاوبرا والمسرح واحيانا يصحبني معه. يدهشني ان جميع العاملين يعرفونه حتي عمال الحديقة! ويعرفه ويجله مدراء دور العرض ويدركون حجم غرامه بالسينما ودوره وأهميته في هذا المجال. جميع افلام المهرجانات المحلية والدولية تمر عليه فمن اقدر منه في الحكم عليها. لديه مصادر متنوعة للحصول علي الافلام الجديدة التي لم تعرض بعد او القديمة النادرة التي يصعب الوصول إليها في بعض الاحيان ألمحه يبكي اثناء الفرجة بعض المشاهد تؤثر فيه لدرجة البكاء. يلتقط بحساسيته ماتطويه الصور من دلالات وما تنطوي عليه من معان واحاسيس. في ايامه الاخيرة عرف مرارة الشعور بالوهن. أثقل عليه المرض ولم يزهد الحياة. ولم يتوقف عن متابعة النشاطات الفنية. ارهقته غرف العناية المركزة. وتكاليفها النفسية الباهظة ولم تعجزه محنة المرض عن الكتابة وعن القراءة ومتابعة صحفه المفضلة وكثيرا ما يحثني علي قراءة مقالات بعينها. لكتاب يثق في ارائهم. قبل موته بساعات وفي الدقائق القليلة المسموح بها للكلام وبينما يرقد في العناية المركزة حادثني رفيق بصوت ضعيف جدا قاومت موجة الحزن التي غمرتني دخلت له مداعبة: "رفيق انت زي القطط بسبع أرواح. وقد استنفدت روحين وباقي لك خمسة" اسعدته الدعاية وعلق عليها لزوجته الرائعة التي رافقته باخلاص وتفانت في رعايته.. وكنت اول من خصتني بالخبر الفاجع حين صعدت روحه إلي بارئها حدث ذلك في ساعات قليلة بعد آخر لقاد بالتليفون. سوف افتقده كثيرا.. في المشوار الطويل إلي مثواه الاخير. جلست في سيارته الخاصة. استحضر شخصه وإلي جواري سائقه "عادل" الذي لم يكف عن الكلام حول انسانيته. الميكروباص الذي حمل جثمانه يمضي أمامنا. الخواطر تتلاطم كأمواج بحر هائج. الموت يلاحقنا. وغربان الظلام تحوم فوق جثث ضحاياها من ابناء الشعب المصري. تحلق حتي في وهج الشمس وتملأ النهار والليل برائحة الدماء. رفيق الصبان فارق الحياة بينما تعوم دمشق في برك من دماء ابنائها والقاهرة تجمع أشلاء ضحايا الارهاب الاسود. الارهاب في القاهرةودمشق هم مشترك طالما تجادلنا حوله وموت "رفيق" زاد هم "دمشق" هما اضافيا. هكذا قال اقاربه ومعارفه ومحبوه في تعازيهم القادمة من سوريا. في طريق العودة بعد ان واري الثري جسد الدكتور رفيق الصبان الذي عشق الحياة والجمال الحب فاجأني ابنه "زيد" وهو اجمل ما تركه لنا. فاجأني ببعض ذكريات والده قال: ذات يوم فوجئ بقرار من والده قال "اتخذت قراراً اريدك ان تسمعه. قررت ان ادفن في القاهرة"! ولكن هذا قرار خطير! ولكنني مصمم عليه.. اكتشف رفيق ان له جذورا في مدينة طنطا!! فقد تزوج "الصبان" الجد الاكبر من دمشقية وقرر ان يبقي معها حيث تقيم.. حكاية طويلة ليس هذا مجالها. رفيق الصبان سوري المولد والنشأة. جاء إلي القاهرة في السبعينات كتب لها وعنها سيناريوهات أفلام مهمة وشارك في تعليم اجيال من ابنائها بتدريسه في المؤسسات الاكاديمية وكان دوما شريكا فاعلا في معظم اعمالها الفنية.. رفيق الصبان سوري سكنت روحه مصر واستقر جسده في ترابها. ** رفيق كنت خير رفيق. تألمت جدا لفراقك.. ومن يدري ربما التقينا في الدار الاخرة.