في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ الوطن تبحث مصر عن خطاب سياسي وإعلامي وديني جديد.. خطاب يجمع ولا يفرق.. يقرب ولا يفرق يركز علي المشترك الوطني أكثر من الكلام عن نقاط الخلاف.. يتكلم لغة التسامح والمصالحة لإنهاء حالة الانقسام الوطني والاستقطاب الحاد. يعترف خبراء السياسة والإعلام بأن تطوير الخطاب السياسي صعب للغاية في هذه الظروف الصعبة خاصة أن من شروطه أن يكون واقعياً ومنسقاً مع خطابات سابقة وهذا غير متوافر الآن إلا أن الحكومة الجديدة تضمنت وزارة جديدة باسم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وهذه الوزارة عليها أدوار كبيرة في هذا المجال من خلال عقد ندوات ولقاءات بهدف جمع شمل المصريين. يؤكد الخبراء أننا في حاجة ماسة إلي نشر ثقافة لا تتكلم عن غالب أو مغلوب أو إظهار روح الانكسار والهزيمة في فصيل بعينه لأن هذا ليس في صالح الوطن.. ملقين بالمسئولية في ذلك علي المثقفين المعتدلين لنشر روح جديدة في نفوس المصريين يكون شعارها الحب والتسامح. يقول منتصر الزيات محامي الجماعة الإسلامية: إننا نسعي إلي مناخ الاعتدال الذي يقرب ولا يفرق والذي يحرص علي لحمة المصريين وتغذية لغة التصالح والتفاهم بدلاً من مناخ التشاحن والتحريض.. متهماً بعض القنوات الفضائية بتزكية لغة التحريض. أضاف: أننا في حاجة ماسة إلي نشر ثقافة غير السائدة الآن ثقافة لا تتكلم عن غالب أو مغلوب لأنه ليس في مصلحة مصر إظهار روح الهزيمة والانكسار في جزء أصيل من الشعب المصري لأن كل هذا له عواقب وخيمة علي المجتمع ككل. أشار الزيات إلي أن المثقفين والكتاب المعتدلين لهم دور كبير في إرساء روح جديدة في نفوس الشعب المصري.. منوهاً إلي أن لغة الإقصاء لبعض قيادات الإخوان في بعض الوزراء فكرة ثقيلة وسياسة كريهة لأن ما يهم المواطن هو عدم تأثر دولاب العمل وهذا لن يحدث لأن كل المناصب التي يتحدثون عنها مناصب سياسية.. مؤكداً أن من كان يلوم الإخوان علي ما يطلقون عليه الأخونة يكررون نفس المشكلة. يقول د.صفوت العالم الأستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة: إن الكلام عن لغة تصالحية وليست إقصائية في وسائل الإعلام كلام جيد نظرياً ولكن علي أرض الواقع صعب التنفيذ في ظل تعدد هذه الوسائل واختلاف اتجاهاتها وأطيافها وأيضاً أهدافها. أضاف أن هناك عوامل كثيرة تتحكم في الرسائل الإعلامية للقنوات الفضائية قبل المصلحة الوطنية وبالتالي يصبح الكلام عن خطاب تصالحي صعباً للغاية ولكن مع كل هذا هناك أهداف أساسية لابد أن تسعي كل قناة أو وسيلة إعلامية أو صاحب قلم إليها في هذه المرحلة. أشار د.العالم إلي أن هذه الأهداف هي التأكيد علي فكرة الانتماء إلي هذا الوطن والتأكيد علي قيم التصالح بين كل فئات الشعب وعدم إقصاء أي فريق وأن نسعي جميعاً للاستفادة من دروس الماضي والابتعاد عن العنف والعنف المضاد ولغة التكفير والتخوين والتهميش والاتهامات المتبادلة بدون أدلة موثقة. طالب د.العالم بإيجاد حلول واقعية للأزمة التي نعيشها الآن ودعم أي جهود في هذا الاتجاة لأن لغة الإقصاء لن تحل المشكلة. تقول د.عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق: إن الخطاب السياسي له شروط ومواصفات منها أن يكون واقعياً وأن يكون متسقاً مع خطابات سابقة وأيضاً أن يكون له نظرة مستقبلية.. مؤكدة أنه لهذا السبب فإن الخطاب السياسي الحالي من الصعب تغييره بهذه السهولة. أضافت حتي يلتقي طرفان في نقطة إلتقاء عليهما تقديم تنازلات وبما أن أنصار الرئيس السابق في الموقف الأضعف عليهم تقديم التنازلات الأكبر. طالبت د.المهدي بفض اعتصام رابعة العدوية والنهضة ثم نتكلم بعدها عن المشترك الوطني والمصالحة.. منوهة إلي أنه ليس شرطاً أن يكون فض الاعتصام مصحوباً باستخدام القوة فهناك أساليب أخري أكثر تأثيراً وأقل خطورة مثل قطع التيار الكهربائي والمياه. يقول المستشار د.بهاء الدين أبوشقة نائب رئيس حزب الوفد: إن خارطة الطريق التي أعلن عنها الفريق السيسي تضمنت وركزت علي فكرة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وقد تم ترجمتة هذا علي أرض الواقع أن الوزارة الجديدة ضمت وزارة خاصة بالعدالة الانتقالية. أضاف أنه علي الوزارة الجديدة أدوار كبيرة عليها أن تقوم بها من خلال لقاءات مستمرة بكافة طوائف الشعب وبكل وسائل الإعلام حتي تكون علي فكر واحد وأمام مصالحة وطنية حقيقية وشاملة. طالب د.أبوشقة وسائل الإعلام بالقيام بدورها في إزكاء روح المصالحة والتركيز علي الحديث عن القواسم المشتركة بين المصريين والابتعاد عن لغة الإقصاء.. منوهاً بدور المواطنين في النظر إلي مصلحة الوطن لرأب الصدع وأن تتكاتف الأيادي والعقول نحو إعلاء المصلحة الوطنية ونبذ العنف والفرقة. أشار د.أبوشقة إلي أن الاستقرار الاجتماعي أكيد سيؤدي إلي استقرار أمني وهذا مطلب هام ووجوبي لتنفيذ خارطة الطريق كما هو مخطط لها. يقول المفكر والنائب الأسبق بمجلس الشعب جمال أسعد: إن الخطاب السياسي أو الإعلامي لابد أن يكون توصيفاً للواقع بشكل سليم ويهدف إلي المصلحة العليا للوطن.. مؤكداً أنه حتي لو كان هناك انحياز من الإعلام الخاص حسب رؤية مالكيه أو من الإعلام الحكومي حسب رؤية النظام الحاكم فلابد أن يكون هناك رؤية تعتمد علي متابعة الواقع مع التفريق بين الخبر والرأي. أضاف أننا في ظل ظروف استثنائية وهذا الاستقطاب والانقسام الخطير يمثل خطورة كبيرة علي سلامة الوطن وبالتالي فلابد لأي خطاب سواء كان سياسياً أو إعلامياً حتي أو دينياً أن يكون في اتجاة بناء الوطن. دعا أسعد إلي المصارحة قبل المصالحة ويقصد بالمصارحة هي أن يقيم كل فصيل موقفه وسلوكياته واتجاهاته بعد كل الأحداث الأخيرة.. معتبراً النقد الذاتي هو الأفضل علي الإطلاق.. اتهم أسعد كل الأطراف بالتقصير سواء جماعة الإخوان الذين لم يقيموا أنفسهم بالشكل السليم طوال عام كامل وأيضاً الأطراف السياسية الأخري التي اعتمدت علي القوات المسلحة ولم تنجح كما يهيأ لها.. مؤكداً أننا لن نستطيع بناء هذا الوطن إلا بالمشاركة وهذا يختلف عن محاسبة كل طرف ارتكب جرماً في حق أبناء الشعب المصري من الطرفين ولابد من تقديمه للمحاكمة العادلة دون أدني حساسية.. انتقد أسعد رفض كل طرف بقبول الآخر والتمسك بمبدأ أو فكرة إما كل المكاسب أو كل الخسائر معتبراً هذا لا يبني الأوطان. يقول د.خالد كاظم أبودوح أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة سوهاج: إننا قبل الكلام علي المصالحة يجب معالجة أسباب العنف في المجتمع أهمها فكرة الهوية والتي من الممكن أن تكون سلاحاً موجهاً ضد الآخر فالإسلامي ضد العلماني والسني ضد الشيعي والمسلم ضد المسيحي.. مطالباً بتخلي المصريين عن هوياتهم وتبني فكرة المواطنة لأن المواطنة تستوعب الجميع. أضاف أن التعامل مع الآخر بالهوية معناه الإقصاء والعنف وللأسف هذا موجود عند الجميع لأن كل حزب أو جماعة يعتز بهويته.. مؤكداً طرح فكرة المصالحة الآن مرتبطة بتغييب القانون لأن هناك دماً وتخريباً والمصالحة قد تتجاوز كل هذا وبالتالي إغفال القانون. أشار د.كاظم إلي أن الإعلام من أسباب العنف والحشد وله دور كبير في إسقاط نظام مبارك وأيضاً نظام الإخوان ولكن هذا الإعلام لن يبحث عن مصالحة لأنه مرتبط برأس المال أولاً ثم مصلحته ثانياً وبعد ذلك بمراحل تأتي المصالحة الوطنية والقيم والمبادئ وميثاق الشرف المهني.. مؤكداً ضعف الدولة محفز للإعلام لفعل ما يريده.أضاف أن ما نعانيه الآن سببه تغييب القانون منذ 25 يناير ..2011 مؤكداً أن ما يحدث الآن في مصر طبيعي جداً بعد موجات من الثورة وعلي الشعب أن يتقبل هذا ولو كانت لدينا نخبة سياسية حقيقية لكنا قد تجاوزنا هذه المرحلة بسهولة ويسر.