بعد أن طال حصار المثقفين لوزارة الثقافة. رفضاً للوزير وبعد نجاح ثورة 30 يونيو يناقش المثقفون طبيعة المرحلة. ويحاولون التعرف إلي ملامحها. يري الشاعر فاروق شوشة أن وصول المركب إلي الشاطئ يعني بداية رحلة حقيقية من جديد. وهي رحلة كان لابد أن تبدأ عقب ثورة 25 يناير. لكن ركب الثورة أناس ينتمون لعصابة فاشية كبست علي أنفاس شعب يريد أن يتنفس الحرية. وزورت إرادة البلاد. صحيح أن الإسلام مكون أساسي في الشخصية المصرية. لكن مكوناته الثقافية ما بين عصرية وحديثة وعربية وغربية. أفشلت المفاهيم المغلوطة لمفاهيم الثقافة. والحقيقة أن وزير الثقافة تطاول علي كل من جلس علي كرسي وزارة الثقافة. مثل ثروت عكاشة وأحمد هيكل وغيرهما. كان الوزير السابق يعتمد نفس الأسلوب الذي اتبعته الجماعة. ولم يستمر أبداً. الأفق يبين عن انجازات حقيقية تحتاجها ثقافتنا المصرية في انطلاقتها الجديدة. تعوض الركود الذي فرضه عليها من لا صلة لهم بالعمل الثقافي. ووزارة الثقافة في رأي د. عبدالناصر حسن مؤسسة داعمة ومساعدة لكل تطوير للثقافة في مصر. لكن الثقافة نفسها لا تنبع من الوزارات. الثقافة الحقيقية تكون مادام هناك مثقفون ومفكرون وأدباء حقيقيون. الوزارة هي الخطوة الداعمة للإبداع المصري. المثقفون والأدباء بخير. ودور وزارة الثقافة هو دعمهم. سواء كانوا كباراً أم صغاراً. ثمة توجهات كبري لا تحدث إلا عندما تكون الرؤية شاملة وهو ما لم يتحدد بعد. لابد من أهداف كلية لدعم العمل الثقافي. ليس في الداخل فقط. ولكن في الخارج أيضاً. في المنطقة العربية وأفريقيا. المحور الأفريقي لأنها هي امتدادنا وشرياننا الحيوي عبر الأراضي الأفريقية. ولن يتأتي ذلك إلا بإعادة العلاقات الثقافية عبر المؤتمرات والملتقيات. وفي مجالات الفن علينا أن نتعرف علي الفنون الأفريقية. وهناك العنصر العربي. نحن نعيش بين أشقاء وجيران عرب. وعلينا أن نقيم الفعاليات الإبداعية من فن تشكيلي وغيره. ولا يمكن أن نغفل البعد العالمي. فمصر لابد أن يكون لها دور ثقافي. كما كانت عنصراً فاعلاً في بناء الحضارة الإنسانية. ومن ثم لابد أن يكون هناك خطاب ثقافي مع روسيا وأوروبا والصين وشرق آسيا. ونتعرف علي ثقافة هذه الشعوب. ونعرفهم بثقافتنا. هذه أشياء مختصرة علي أن تتجمع وتصب في الصالح المصري. وقبل كل هذا لابد للدولة أن تؤمن بأهمية هذه الأبعاد حتي تصل للعالم. وتكون عضواً فاعلاً. ويذهب يوسف الشاروني إلي أن ما يحدث شيء جميل. ويعني أن مصر تعيش الأمل باستمرار في الأجيال القديمة والجديدة. حتي لا تتكرر المآسي التي عانيناها. لابد أن يمحو الشعب العربي ما في حياتنا من سلبيات. تعود إلي أيام فؤاد وفاروق ومحمد نجيب وجمال عبدالناصر والسادات ومبارك ومحمد مرسي. حيث 40% من المواطنين لا يقرأون ولا يكتبون. وهو ما يغري الحاكم الطاغي والظالم أن يزور إرادة الشعب. ويزور الانتخابات. إذا تعلم الشعب فإنه يختار ما يريده. الأمثلة كثيرة. ففي كوبا جعل كاسترو الدراسة بالجامعة سنة واحدة. وجعل كل طالب يعلم 40 فرداً. واليابان احتفلت مؤخراً بمحو أمية آخر ياباني علي الكمبيوتر. وفي مشروع محو الأمية الذي دعونا إليه منذ أيام جمال عبدالناصر. اكتشف أن المعلمين هم الذين يؤدون الاختبارات بدلاً من الطلبة. لابد من التركيز علي التعليم. حتي لا ترجع ريمة لعادتها القديمة. ويتوقع د. سعيد توفيق أن يزال كل ما أصدره وزير الثقافة السابق من قرارات باطلة. لأن من أملوا تلك القرارات هم الآن رهن الاعتقال. ولم يعد لهم وجود رسمي. ولا ينطبق هذا علي وزارة الثقافة فقط. بل علي كافة الوزارات. ثم يقوم المثقفون بترشيح بعض الأسماء التي يرون أن يختار من بينها وزير الثقافة. وليكن العدد ثلاثة. ثم تعرض الأسماء علي رئيس الحكومة الجديد. وتكون الخطوة التالية هي طرح أسماء للقيادات التي تشغل المناصب القيادية في المؤسسات الثقافية. وفي تقدير د. حسين حمودة أن البداية الحقيقية لأي عمل ثقافي حقيقي يجب أن تنطلق من فهم ثقافة هذا الشعب. وهي ثقافة قامت عبر قرون طويلة ممتدة علي التنوع والتجاور والتسامح. واستكشاف هذه الثقافة المصرية في أماكنها المتعددة بما يبتعد عن فكرة المركزية التي تجعل من ثقافة المدين. أو ثقافة القاهرة. هي الثقافة المهيمنة. والوحيدة تقريباً. يجب علي القائمين علي الثقافة المصرية أن يتحركوا ناحية الأقاليم المحرومة من كل الخدمات. والتي تبدو مرتعاً صالحاً لأفكار الظلام التي يبثها. أو حاول أن يبثها البعض. ويجب العمل علي جمع مادام يتم جمعه من الثقافة الشعبية المكتوبة والمصورة. والمتحققة بأشكال أخري. ويجب الإعلاء من قيم التسامح والعدل والمواطنة. وأيضاً رمزية الثقافة المصرية كلها كجزء من الثقافة الإنسانية بشكل عام. طبعاً هناك تفاصيل كثيرة يمكن أن تندرج تحت صيغة "يجب" التي استخدمتها كثيراً. وهي صيغة ثقيلة علي كل حال. وهذه التفاصيل يمكن أن يفكر فيها جميع المثقفين. أن يشارك في تحقيقها كل المثقفين. وهناك عدة إضاءات يري الناقد مجدي العفيفي أنه يمكن أن تساعد في السياق. فشخصية الوزارة أهم من شخصية الوزير. نحن نحتاج إلي المؤسسة الثقافية التي تتمايز بنظام مؤسسي لا يخضع لتوجيهات الأشخاص. لأن وزارة الثقافة ذات أجنحة. وكأنها مرايا متجاورة تعكس وجدان وعقل وذائقة المجتمع. من هنا يأتي الحرص علي عدم تفتيت الوزارة. فهذا ليس في صالح العملية الثقافية. وتتعلق الإضاءة الثالثة بعملية النشر. فهي حائرة بين هيئات الوزارة. وينبغي أن تصب في قناة واحدة. أما الاضاءة الرابعة فتتمثل في العلاقات الثقافية الخارجية التي أجد أنها هشة للغاية. ولا تأثير لها. أما جوائز الدولة فهي للأسف تعاني الشللية التي تسئ إليها. يبقي أن يتجاور الشأن الثقافي مع الشأن السياسي والاجتماعي. فما أشد حاجتنا إلي الحوار الثقافي والتنوير الفكري من خلال العلاقة المتبادلة بين المثقفين ووزارة الثقافة.