دروس لأهل الإيمان.. في ذكري تحويل القبلة للبيت الحرام الامتثال وقوة اليقين.. الطريق لتحقيق الرجاء دون تعبير باللسان ونحن علي أبواب الأيام التي تحمل الينا ذكريات تحويل قبلة المسلمين في الصلاة من بيت المقدس بالشام الي المسجد الحرام في مكةالمكرمة يجدر بأهل الايمان من أبناء العالم الاسلامي استيعاب الدروس المستفادة من هذا الحدث الذي أثار الكثير من الجدال وأقوال السفهاء حين حاولوا تحريك المشاعر وترديد أباطيل اليهود الذين ارتابوا في هذا التحول المفاجئ. وأخذوا يتساءلون ما الذي دفع محمدا صلي الله عليه وسلم إلي الاتجاه الي الكعبة بعد ستة عشر أو سبعة عشر شهرا من استقبال بيت المقدس في الصلاة؟ الي غير ذلك من الاقاويل التي وصفها رب العالمين بأنها من أقوال السفهاء.. "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"..؟! في نفس الوقت يجب علي أهل الايمان أن يتأملوا كيف جاء هذا التحول؟ وما هي الأسباب التي أدت إلي هذا الاتجاه وما هو دور سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم؟ وكيف كان يتطلع الي رب العالمين مؤملا في تحقيق رجائه في التحول للبيت العتيق أثناء الصلاة بدلا من بيت المقدس؟ حقيقة انها قوة الايمان التي استقرت في وجدان الرسول وملكت عليه كل مشاعره ورغم كل هذه الانفعالات الانسانية الا ان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم لم ينطق بأي كلمة وكان يرفع رأسه الي السماء وكل آماله ان يستجيب الحق تبارك وتعالي لهذا الرجاء. مع التسليم والقبول بأي تعليمات تصدر من الخالق سبحانه. انها آمال تتردد في صدر سيد الخلق ويتمني في قبوله وتحقيقه علي أرض الواقع. وقد حكي القرآن الكريم هذا الموقف بصورة تدعو أهل الايمان الي تدبره وتبصر هذا المنهج النبوي حينما يريدون تحقيق أي رجاء ينبعث في صدورهم بقبول رب العالمين "قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره" "44 البقرة" ولعل من أهم الدروس التي يجب ان يتعلمها أهل الايمان من المنهج النبوي ان قوة اليقين والتسليم لله سبحانه في كل الأمور والامتثال لما أمر الله به هو الطريق لتحقيق أي رجاء؟ فها هو الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم قد اشتاق ان يتحول في صلاته الي البيت الذي بناه جده ابراهيم بتعليمات من رب العالمين. ومع ان هذا الاشتياق وتلك اللوعة الا ان اللسان لم ينطق بأي كلمة. فرب العالمين يعلم السر وأخفي وتلك هي صفات الانبياء يعرفون مكانتهم ويدركون ان لله المثل الأعلي وان كل البشر عبيد له. يفوضون كل الأمر له. يستقر الايمان في القلب ويبذلون اقصي الجهد في العمل. الاخلاق الكريمة وأجمل الصفات الانسانية يظللون بها كل البشر. انهم نماذج تنير الطريق لأولي الألباب من كل لون وجنس. ولذلك انجذب اليهم البشر. ولا غروفها هو ابوالانبياء إبراهيم صبر علي ايذاء قومه ونال منهم الكثير في هذا المجال.. وعندما اجمعوا علي القائه في النيران التي اشعلوها من اجل احراقه وبينما هو في وسط النيران جاءته الملائكة بأوامر من الله سبحانه كل واحد يعرض تنفيذ المهام المكلف بها من أجل انقاذه من هذه النيران لكنه بكل ثبات وايمان قال لهم لا حاجة لي بكم. علم ربي بحالي يغني عن سؤالي ولم ينطق بأي كلام سوي ذلك متطلعا الي الله لعله يحقق رجاءه ويرفع عنه هذا الأذي الذي يتعرض له نتيجة دعوته لتنفيذ تعليمات رب العالمين وقد كان تحقيق الرجاء في التو واللحظة. صدرت الاوامر الالهية لابطال مفعول النيران وبدلا من ان تحرق ابراهيم تحولت الي برد وسلام. وخرج سليما معافي وسط ذهول أهل الكفر والالحاد. انها نتيجة الصبر وقوة الاحتمال مع ثبات القلب وقوة اليقين انه أبوالانبياء.. إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين.. تسليم مطلق مع ايمان لايتزعزع. علي نفس المنهج مضي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وتجلي ذلك بكل وضوح في حادث تحويل القبلة فقد كان الرجاء يتردد في صوره ولم ينطق بأي كلمة "قد نري تقلب وجهك فلنولينك قبلة ترضاها" بمعني أننا ندرك كل مشاعرك وسوف نستجيب لرجائك وهكذا يستجيب الله من المتقين. الرسول الكريم تحلي بأفضل الصفات التي يمكن ان يتحلي بها انسان. فها هو يتعرض لاشد أنواع الايذاء حينما توجه لأهل الطائف يبلغهم برسالة ربه ورغم ان جبريل جاء بتعليمات لتنفيذ أوامره بشأن عقابهم نتيجة هذا الايذاء إلا أن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم رفض ذلك بكل شده وقال قولته التاريخية: اللهم اهد قومي فانهم لايعلمون. وضيفا: دعهم يا أخي ياجبريل لعل الله يخرج من اصلابهم من يعبدون الله ويوحدونه" وتمني لهم الهداية من كل قلبه. ان هذه الدروس تضع أمام أبصار الجميع ان الطريق مفتوح امام أهل الايمان لتحقيق اي رجاء يتردد في صدورهم يشرط قوة اليقين وثباته في القلوب مع قوة الاحتمال في التعامل مع الاخرين مع التطلع في تواضع الي رب العالمين الي تحقيق الامال وهداية البشر في غير تقال من اهل الايمان ودون عنف او تطرف او تشدد. وبالحكمة والكلمة الطيبة والجدال بالتي هي احسن. ولعل حادث تحويل القبلة ابلغ دليل علي قوة الايمان تدفع النور الي القلوب وتجعل صاحبها يتحلي بأفضل الصفات الانسانية ولايلتفت الي ما قد يثيره السفهاء من اباطيل وتشكيك فيما يقولون من الحق. وهؤلاء الرجال من أهل الايمان يجادلون بالتي هي أحسن و يتغاضون عن الصغائر ويرفضون التعالي علي اي انسان. ويبتعدون عن ترويع أي انسان ويقتدون بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في عدم الدعاء علي أحد ويتمنون الهداية لكل بني آدم. ولايرفعون السلاح في وجه انسان مسلم مهما يكن تجاوزه. إن ذكري تحويل القبلة إلي البيت الحرام تثير في النفوس المشاعر الطيبة وتجعل المسلم يتقرب الي الله بأفضل الاعمال وحسن الخلق في التعامل مع خلق الله انه طريق الهدي والرشاد والسبيل الوحيد لتحقيق الرجاء. ليت أهل الاسلام هذه الأيام يدركون هذه الحقائق والله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.