في الوقت الذي تستعد فيه الحركة الشعبية لإعلان الانفصال عن السودان وقيام دولة جديدة في يوليو القادم فإن هناك عدداً من المشاكل التي يتعين عليها التعامل معها. ومع تعدد هذه المشاكل تبقي مشكلة الضابط المتمرد جورج أتور من أصعبها وأكثرها خطورة وتعقيداً. فالمشكلة هنا لا تأتي من الخارج. بل من داخل عرقية الدينكا نفسها. هذا التمرد في الحقيقة ليس جديداً بل هو تمرد قديم من جانب أتور سبق احتواؤه. وكان السبب هو اتهامه لقادة الحركة بالفساد وبأنهم لم يقدروا دوره في الحركة. لكن هذا التمرد تجدد بعد فشله في الفوز بمنصب حاكم ولاية جونجلي في انتخابات حكام الولايات التي جرت قبل استفتاء التقسيم بنحو العام. وقد نفذ أتور الذي تتهم الحركة حكومة الخرطوم بدعمه عشرات الهجمات علي الولاية سقط فيها مئات القتلي. وتصاعدت حدة هجماته بعد إعلان نتيجة استفتاء التقسيم والمتوقع لها ان تتصاعد ويأتي ذلك رغم المساحة الشاسعة لتلك الولاية وتضاريسها الوعرة مما يدل علي قوة هذا المتمرد. ومع تصاعد التمرد تصاعد الخلاف داخل الحركة الشعبية حول الأسلوب الأمثل للتعامل معه. وانقسم قادة الحركة إلي جناحين متضادين لا ثالث لهما ولا حل وسطا بينهما. فهناك جناح يري ضرورة حسم الأمر عسكرياً بعد استنفاد كافة سبل التسوية ويري هذا الجناح ان أتور لم يكن ليفعل ذلك لولا أن متمرديه يحصلون علي مساعدة لوجستية وخطوط إمداد وذخائر. ولابد من قطع هذه الخطوط التي يتهمون حكومة الخرطوم بتوفيرها. ويري ذلك الجناح أن أتور يمارس تمرداً معلناً ضد حكومة جنوب السودان ولا يمكن القبول به. ويري الجناح الآخر ويمثله سلفا كير الرئيس القادم للكيان الانفصالي ضرورة منح جهود التسوية الودية الفرصة كي تحقق هدفها قبل اللجوء إلي القوة. ويري هذا الجناح ان اللجوء إلي القوة سوف يكون له عواقب وخيمة وخسائر فادحة حتي لو انتهي بالقضاء عليه. كما ان أتور له قاعدة شعبية لا يجب تجاهلها. ويمكن ان يتحالف مع جيش الرب الأوغندي. ويعلن أتور دائماً ان مقاتليه لا يزيد عددهم عن المائة. ولكنهم مقاتلون أشداء. ويقول انه يشكل مع مقاتليه الحركة الشعبية الحقيقية. ويقول المحللون ان حالة أتور - 46 سنة - تبرز هشاشة الأوضاع من الناحية الأمنية خاصة وأن الجنوب خارج من حرب أهلية طويلة وأن الجيش الشعبي لم يستطع تجاوز الانتماءات القبلية. وبات كل قائد يعتبر أنه يستحق الحصول علي جزء من كعكة السلطة خاصة وأنه ناضل من أجلها. ومثل هؤلاء الأشخاص يرفضون تقبل الهزيمة في الانتخابات ويعتبرونها مؤامرة عليهم. ويسعون لفرض خياراتهم بالقوة وان تمرد أتور يأتي في إطار استخدام السلاح لفرض خياراته وأشار أن هذا الأمر له تأثير كبير علي استقرار الجنوب في مرحلة الدولة. وحول قدرة الجيش الشعبي علي حفظ الاستقرار في الجنوب في حالة الانفصال مع وجود هذه النزاعات أضاف أحد المحللين أن سيطرة الجيش الشعبي علي الأوضاع باتت أمراً صعباً خاصة مع امكانية دخول أطراف جديدة في الصراع. وقد يري البعض ان هذه النزاعات "الجنوبية - الجنوبية" تأتي في مصلحة حزب المؤتمر الوطني وتؤكد علي ما يعلنه من ان الجنوب غير مستعد وغير قادر علي ان يكون دولة.. وتعد النزاعات التي يشهدها الجنوب مؤشراً لصعوبة قيام دولة في اقليم ظل يعاني من ويلات الصراعات الداخلية ويبقي تمرد الفريق جورج أتور وتهديداته مشكلة تقلق وتهدد حكومة الجنوب.