ما يغيب عن معظم إبداعنا العربي. وأتصور أنه لابد أن يكون بعداً أساسياً في أي عمل روائي أو قصصي. هو فلسفة الحياة. والفلسفة التي أعنيها هي الرؤية الشاملة وليست الميتافيزيقا وحدها. الميتافيزيقا بعد مهم. لكنها جزء من أبعاد الحياة الإنسانية جميعاً. تقول سيمون دي بوفوار: "إن الرواية الفلسفية إذا ما قرئت بشرف. وكتبت بشرف. أتت بكشف للوجود لا يمكن لأي نمط آخر في التعبير أن يكون معادلاً له. إنها هي وحدها التي تنجح في إحياء ذلك المصير الذي هو مصيرنا. والمدون في الزمن والأبدية في آن واحد. بكل ما فيه من وحدة حية وتناقض جوهري".. مع ذلك فإن الرواية التي أعنيها هي التي تعبر عن فلسفة الحياة. وليست الفلسفة بالمعني الميتافيزيقي. إن الأدب غير الفلسفة. لكنه - في الوقت نفسه - تصور للعالم. يرتكز إلي درجة من الوعي. وإن صدر عن العقل والخيال والعاطفة والحواس. طريقة الفيلسوف هي التنظير والتحليل والإقناع والصدور عن العقل. والاتجاه كذلك إلي العقل. أما طريقة الأديب فهي العاطفة والخيال والحواس. والصدور عن ذلك كله إلي المقابل في الآخرين من خلال أدوات يمتلكها الأديب. وتتعدد مسمياتها. كالتكنيك والتنامي الدرامي والحوار واللغة الموحية وإثارة الخيال إلخ. والحق انه ما من إبداع حقيقي يمكن ان يخلو - بدرجة ما - من فلسفة ما. وإن عاد الأمر - إلي مدي قدرة المبدع في بث الحياة عبر شرايين الفكرة الفلسفية المجردة. وكما يقول شكسبير فليس المهم هو الأشياء. المهم وجهة نظرنا عن الأشياء. وطبيعي ان نظرة الكاتب إلي الهموم التي تشغله. موقفه الكامل منها. يصعب أن تعبر عنه قصة واحدة أو قصتان. لكننا نستطيع ان نجد بانورامية نظرة الفنان في مجموع أعماله. وفي كتاباته وحواراته التي تناقش تلك الأعمال. أعمال كاتب ما يجب أن تشكل وحدة عضوية ترتبط جزئياتها بأكثر من وشيجة. لأن رؤية الفنان لقضايا الإنسان الأساسية تبين عن ملامحها في ثنايا أعماله. التجربة الإبداعية - علي تنوعها - تخضع لوجهة نظر شاملة لفلسفة حياة تحاول التكامل. وإن استخدمت في كل عمل ما يناسبه من تقنية. والقارئ المتأمل يستطيع أن يتعرف إلي المبدع. في مجموع ما كتب. إن الأدب هو الأسبق دائماً في النظرة. في محاولة استشراف آفاق المستقبل. انه يسبق في ذلك حتي العلم نفسه. كانت القيمة الأهم لإبداعات تولستوي هي الترديد المستمر للأفكار العامة. للنظرة الشاملة. لفلسفة الحياة. في مجموع تلك الأعمال. وكان ذلك هو الذي أعطي أعمال تولستري - كما يقول أدينكوف - تكاملاً وتماسكاً داخلياً. وكما يقول تولستوي. فإن الكاتب الذي لا يمتلك نظرة واضحة. محددة وجديدة للعالم. ويعتقد أن ذلك بلا ضرورة. لن يستطيع تقديم عمل فني حقيقي. أما همنجواي فقد تمحورت رؤيته الحياتية في أن العالم قادر علي تحطيم أي إنسان. لكن كثيرين يستعيدون قواهم. وينهضون. والإنسان - في فلسفة كامي الحياتية - يكتشف عبثية الحياة. لا معقوليتها. وليس بوسعه إلا أن يتحدي كل شيء في هذا العالم. وباختصار. فإنه لكي يحيا الإنسان يجب عليه أن يبقي علي شعور العبث في داخله كي يستمد منه طاقة التحدي اللازمة للبقاء. والأمثلة كثيرة